في هذه السنة توفي المنتصر في يوم الأحد لخمس خلون من ربيع الآخر ، وقيل : يوم السبت ، ( وكنيته أبو جعفر أحمد بن المتوكل على الله ، وقيل : كنيته أبو العباس ، وقيل : أبو عبد الله ) .
وكانت علته الذبحة في حلقه أخذته يوم الخميس ، ( لخمس بقين من شهر ربيع الأول ) .
وقيل : كانت علته من ورم في معدته ، ثم صعد إلى فؤاده فمات ، وكانت علته ثلاثة أيام .
وقيل : إنه وجد حرارة ، فدعا بعض أطبائه ، ففصده بمبضع مسموم ، فمات منه ، [ ص: 187 ] وانصرف الطبيب إلى منزله وقد وجد حرارة ، فدعا تلميذا ليفصده ، ووضع مباضعه بين يديه ليستخير أجودها ، فاختار ذلك المبضع المسموم ، وقد نسيه الطبيب ، ففصده به ، فلما فرغ إليه نظر إليه فعرفه ، فأيقن بالهلاك ، ووصى من ساعته .
وقيل : إنه كان قد وجد في رأسه علة ، فقطر ابن الطيفوري في أذنه دهنا ، فورم رأسه ، فمات .
وقيل : بل سمه ابن الطيفوري في محاجمه فمات .
وقيل : كان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون : إنما مدة حياته ستة أشهر ، مدة شيرويه بن كسرى ، قاتل أبيه ، يقوله الخاصة والعامة .
وقيل : إن المنتصر كان نائما في بعض الأيام ، فانتبه وهو يبكي وينتحب ، فسمعه عبد الله بن عمر البازيار ، فأتاه ، فسأله عن سبب بكائه ، فقال : كنت نائما ، فرأيت فيما يرى النائم كأن المتوكل قد جاءني ، فقال : ويحك يا محمد ! قتلتني وظلمتني ، وغبنتني خلافتي ، والله لا متعت بها بعدي إلا أياما يسيرة ، ثم مصيرك إلى النار ، فقال عبد الله : هذه رؤيا ، وهي تصدق وتكذب ، بل يعمرك الله ، ويسرك ، ادع بالنبيذ وخذ في اللهو لا تعبأ بها ، ففعل ذلك ولم يزل منكسرا إلى أن توفي .
قال بعضهم : وذكر أن المنتصر كان شاور في قتل أبيه جماعة من الفقهاء ، وأعلمهم بمذاهبه ، وحكى عنه أمورا قبيحة كرهت ذكرها ، فأشاروا بقتله ، فكان كما ذكرنا بعضه .
وكان عمره خمسا وعشرين سنة وستة أشهر ، وقيل : أربعا وعشرين سنة ، وكانت خلافته ستة أشهر ويومين ، وقيل : كانت ستة أشهر سواء .
وكانت وفاته بسامرا ، فلما حضرته الوفاة أنشد :
وما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ولكن إلى الرب الكريم أصير
[ ص: 188 ] وصلى عليه أحمد بن محمد بن المعتصم بسامرا ، وبها كان مولده .وكان أعين ، أقنى ، قصيرا ، مهيبا .
وهو أول خليفة من بني العباس عرف قبره ، وذلك أن أمه طلبت إظهار قبره .
وكانت أمه أم ولد رومية .