[ ص: 276 ] ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33795_34064قتل صالح بن وصيف
وفيها قتل
صالح بن وصيف لثمان بقين من صفر ، وكان سببه أن
المهتدي لما كان لثلاث بقين من المحرم أظهر كتابا زعم أن امرأة دفعته إلى
سيما الشرابي ، وقالت : إن فيه نصيحة ، وإن منزلها بمكان كذا ، فإن طلبوني فأنا فيه . وطلبت المرأة فلم توجد .
وقيل إنه لم يدر من ألقى الكتاب .
ودعا
المهتدي القواد ،
وسليمان بن وهب ، فأراهم الكتاب ، فزعم
سليمان أنه خط
صالح ، فقرأه على القواد ، فإذا فيه أنه مستخف
بسامرا ، وإنما استتر طلبا للسلامة وإبقاء الموالي ، وطلبا لانقطاع الفتن ، وذكر ما صار إليه من أموال الكتاب ،
وأم المعتز ، وجهة خروجها ، ويدل فيه على قوة نفسه ، فلما فرغوا من قراءته وصله
المهتدي بالحث على الصلح ، والاتفاق ، والنهي عن التباغض والتباين ، فاتهمه الأتراك بأنه يعرف مكان
صالح ويميل إليه ، وطال الكلام بينهم في ذلك .
فلما كان الغد اجتمعوا بدار
موسى بن بغا داخل
الجوسق ، واتفقوا على خلع
المهتدي ، فقال لهم بايكباك : إنكم قتلتم
ابن المتوكل ، وهو حسن الوجه ، سخي الكف ، فاضل النفس ، وتريدون قتل هذا ، وهو مسلم يصوم ولا يشرب النبيذ ، من غير ذنب ! والله لئن قتلتم هذا لألحقن
بخراسان ( لأشيع أمركم هناك ) .
فاتصل الخبر
بالمهتدي ، فتحول من مجلسه متقلدا سيفا ، وقد لبس ثيابا نظافا وتطيب ، ثم أمر بإدخالهم عليه ، فدخلوا فقال لهم : بلغني ما أنتم عليه ، ولست كمن تقدمني مثل
المستعين ،
والمعتز ، والله ما خرجت إليكم إلا وأنا متحنط ، وقد أوصيت إلى أخي بولدي ، وهذا سيفي والله لأضربن به ما استمسك قائمه بيدي ، والله لئن سقط مني شعرة ليهلكن وليذهبن أكثركم .
كم هذا الخلاف على الخلفاء ، والإقدام ، والجرأة على الله ! سواء عليكم من قصد الإبقاء عليكم ، ومن كان إذا بلغه هذا منكم دعا بالنبيذ فشربه مسرورا بمكروهكم ،
[ ص: 277 ] حتى تعلموا أنه وصل إلى شيء من دنياكم ، أما إنكم لتعلمون أن بعض المتصلين بكم أيسر من جماعة من أهلي وولدي ( سوأة لكم ) ، يقولون : إني أعلم بمكان
صالح ، وهل هو إلا رجل من الموالي ؟ فكيف الإقامة معه إذا ساء رأيكم فيه ؟ وإذا أبرمتم الصلح فيه كان ( ذلك ما أنفذه لجميعكم ، وإن أبيتم فشأنكم ، واطلبوا صالحا ، وأما أنا فما أعلم مكانه ) .
قالوا : فاحلف لنا على ذلك ! قال : أما اليمين فنعم ، ولكنها تكون بحضرة
بني هاشم ، والقضاة غدا إذا صليت الجمعة ; ثم قال
لبايكباك ولمحمد بن بغا : قد حضرتما ما عمله
صالح في أموال الكتاب ،
وأم المعتز ، فإن أخذ منه شيئا فقد أخذتما مثله ، فأحفظهما ذلك ، ثم أرادوا خلعه ، وإنما منعهم خوف الاضطراب وقلة الأموال ، فأتاهم مال من
فارس عشرة آلاف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم ، فلما كان سلخ المحرم انتشر الخبر في العامة أن القوم قد اتفقوا على خلع المهتدي والفتك به ، وأنهم قد أرهقوه ، وكتبوا الرقاع ورموها في الطرق والمساجد ، مكتوب فيها : يا معشر المسلمين ادعوا الله لخليفتكم العدل ، الرضا ، المضاهي
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب ، وأن ينصره الله على عدوه ، ويكفيه مئونة ظالمه ، وتتم النعمة عليه ، وعلى هذه الأمة ببقائه ، فإن الأتراك قد أخذوه بأن يخلع نفسه ، وهو يعذب منذ أيام ، وصلى الله على
محمد .
فلما كان يوم الأربعاء لأربع خلون من صفر تحرك الموالي
بالكرخ والدور ، وبعثوا إلى
المهتدي ، وسألوه أن يرسل إليهم بعض إخوته ليحملوه رسالة ، فوجه إليهم أخاه
أبا القاسم عبد الله ، فذكروا له أنهم سامعون مطيعون ، وأنهم بلغهم أن
موسى ، وجماعة معه يريدونه على الخلع ، وأنهم يبذلون دماءهم دون ذلك ( وما هم دون ذلك ) ، وشكوا تأخر أرزاقهم ، وما صار من الأقطاع ، والزيادات ، والرسوم إلى قوادهم التي قد أجحفت بالخراج والضياع ، ما قد أخذوا النساء والدخلاء ، فكتبوا بذلك كتابا ، فحمله
[ ص: 278 ] إلى
المهتدي وكتب جوابه بخطه : قد فهمت كتابكم ، وسرني ما ذكرتم من طاعتكم ، فأحسن الله جزاءكم ، وأما ما ذكرتم من خلتكم وحاجتكم فعزيز علي ذلك ، ولوددت والله أن صلاحكم يهيأ بأن لا آكل ولا أشرب ولا أطعم ولدي إلا القوت ، ولا أكسوه ) إلا ستر العورة ، وأنتم تعلمون ما صار إلي من الأموال ، وأما ما ذكرتم من الإقطاعات وغيرها فأنا أنظر في ذلك وأصرفه إلى محبتكم إن شاء الله تعالى .
فقرءوا الكتاب وكتبوا ، بعد الدعاء ، يسألون أن يرد الأمور في الخاص والعام إلى أمير المؤمنين ، لا يعترض عليه معترض ، وأن يرد رسومهم إلى ما كان عليه أيام
المستعين ، وهو أن يكون على كل تسعة عريف ، وعلى كل خمسين خليفة ، وعلى كل مائة قائد ، وأن يسقط النساء والزيادات ، ولا يدخل مولى في ماله ولا غيره ، وأن يوضع لهم العطاء كل شهرين ، وأن تبطل الإقطاعات ، وذكروا أنهم سائرون إلى بابه ليقضي حوائجهم ، وإن بلغهم أن أحدا اعترض عليه أخذوا رأسه ، وإن سقط من رأس أمير المؤمنين شعرة قتلوا بها
موسى بن بغا وبايكباك وياجور وغيرهم .
وأرسلوا الكتاب مع
أبي القاسم ، وتحولوا إلى
سامرا ، فاضطرب القواد جدا ; وقد كان
المهتدي قعد للمظالم ، وعنده الفقهاء ، والقضاة ، وقام القواد في مراتبهم ، فدخل
أبو القاسم إليه بالكتاب ، فقرأه للقواد قراءة ظاهرة ، وفيهم
موسى ، وكتب جوابه بخطه ، فأجابهم إلى ما سألوا ، ودفعه إلى
أبي القاسم ، فقال
أبو القاسم لموسى بن بغا ،
وبايكباك ،
ومحمد بن بغا : وجهوا معي رسلا يعتذرون إليهم عنكم ; فوجهوا معه رسلا ، فوصلوا إلى
الأتراك ، وهم زهاء ألف فارس ، وثلاثة آلاف راجل ، وذلك لخمس خلون من صفر ، فأوصل الكتاب ، وقال : إن أمير المؤمنين قد أجابكم إلى ما سألتم ، وقال لهم : هؤلاء رسل القواد إليكم ، يعتذرون من شيء إن كان بلغكم عنهم ، وهم يقولون إنما أنتم إخوة ، وأنتم منا وإلينا ، واعتذر عنهم .
[ ص: 279 ] فكتبوا إلى
المهتدي يطلبون خمسة توقيعات ، توقيعا بخط الزيادات ، وتوقيعا برد الإقطاعات ، وتوقيعا بإخراج الموالي البرانيين من الخاصة إلى البرانيين ، وتوقيعا برد الرسوم إلى ما كانت عليه أيام المستعين ، وتوقيعا برد البلاجي ، ثم يجعل أمير المؤمنين الجيش إلى أحد إخوته ، أو غيرهم ممن يرى ليرفع إليهم أمورهم ، ولا يكون رجلا من الموالي ، وأن يحاسب
صالح بن وصيف ،
وموسى بن بغا عما عندهما من الأموال ويجعل لهم العطاء كل شهرين ، لا يرضيهم إلا ذلك ، ودفعوا الكتاب إلى
أبي القاسم ، وكتبوا كتابا آخر إلى القواد
موسى وغيره [ ذكروا فيه ] أنهم كتبوا إلى أمير المؤمنين بما كتبوا ، وأنه لا يمنعهم شيئا مما طلبوا إلا أن يعترضوا عليه ، وأنهم إن فعلوا ذلك لم يوافقوهم ، وأن أمير المؤمنين إن شاكه شوكة ، وأخذ من رأسه شعرة ، أخذوا رءوسهم جميعا ، ولا يقنعهم إلا أن يظهر
صالح ، ويجتمع هو
وموسى بن بغا حتى ينظر أين الأموال .
فلما قرأ
المهتدي الكتاب أمر بإنشاء التوقيعات الخمسة على ما سألوا ، وسيرها إليهم مع
أبي القاسم وقت المغرب ، وكتب إليهم بإجابتهم إلى ما طلبوا ، وكتب إليهم
موسى بن بغا ( كذلك ، وأذن ) في ظهور
صالح ، وذكر أنه أخوه وابن عمه ، وأنه ما أراد ما يكرهون ، فلما قرءوا الكتابين قالوا قد أمسينا ، وغدا نعرفكم رأينا ، فافترقوا .
فلما كان الغد ركب
موسى من دار الخليفة ، ومعه من عسكره ألف وخمسمائة رجل ، فوقف على طريقهم ، وأتاهم
أبو القاسم ، فلم يعقل منهم جوابا إلا كل طائفة يقولون شيئا ، فلما طال الكلام انصرف
أبو القاسم ، فاجتاز
بموسى بن بغا وهو في أصحابه ، فانصرف معه .
ثم أمر
المهتدي محمد بن بغا أن يسير إليهم مع أخيه
أبي القاسم ، فسار في خمسمائة فارس ، ورجع
موسى إلى مكانه بكرة ، وتقدم
أبو القاسم ومحمد بن بغا فواعداهم عن
المهتدي ، وأعطياهم توقيعا فيه أمان
صالح بن وصيف ، موكدا غاية التوكيد ، فطلبوا أن يكون
موسى في مرتبة
بغا الكبير ،
وصالح في مرتبة أبيه ، ويكون الجيش ( في يد من )
[ ص: 280 ] هو في يده ، وأن يظهر
صالح بن وصيف ، ويوضع لهم العطاء ، ثم اختلفوا ، فقال قوم : قد رضينا ; وقال قوم : لم نرض ; فانصرف
أبو القاسم ومحمد بن بغا على ذلك ، وتفرق الناس إلى
الكرخ ،
والدور وسامرا .
فلما كان الغد ركب
بنو وصيف في جماعة معهم ، وتنادوا : السلاح ، ونهبوا دواب العامة ، وعسكروا
بسامرا ، وتعلقوا
بأبي القاسم ، وقالوا : نريد
صالحا ! وبلغ ذلك
المهتدي ، فقال
لموسى : يطلبون
صالحا مني كأني أنا أخفيته ، إن كان عندهم فينبغي لهم أن يظهروه .
ثم ركب
موسى ، ومن معه من القواد ، فاجتمع الناس إليه ، فبلغ عسكره أربعة آلاف فارس ، وعسكروا ، وتفرق الأتراك ومن معهم ، ولم يكن
للكرخيين ولا
للدوريين في هذا اليوم حركة ، وجد
موسى ومن معه في طلب
ابن وصيف ، واتهموا جماعة به ، فلم يكن عندهم ، ثم إن غلاما دخل دارا وطلب ماء ليشربه ، فسمع قائلا يقول : أيها الأمير تنح ، فإن غلاما يطلب ماء ، فسمع الغلام الكلام ، فجاء إلى عيار فأخبره ، فأخذ معه ثلاثة نفر ، وجاء إلى
صالح ، وبيده مرآة ومشط ، وهو يسرح لحيته ، فأخذه ، فتضرع إليه ، فقال : لا يمكنني تركك ولكني أمر بك على ديار أهلك وقوادك ، وأصحابك ، فإن اعترضك منهم اثنان أطلقتك .
فأخرج حافيا ليس على رأسه شيء ، والعامة تعدو خلفه ، وهو على برذون بأكاف ، فأتوا به نحو
الجوسق ، فضربه بعض أصحاب
موسى على عاتقه ، ثم قتلوه ، وأخذوا رأسه ، وتركوا جثته ، ووافوا به دار
المهتدي قبل المغرب ، فقالوا له في ذلك : فقال واروه ، ثم حمل رأسه وطيف به على قناة ، ونودي عليه : هذا جزاء من قتل مولاه .
ولما قتل أنزل
موسى رأس
بغا الصغير ، وسلم إلى أهله ليدفنوه ، ولما قتل
صالح قال
السلولي لموسى بن بغا :
أخذت وترك من فرعون حين طغى وجئت إذ جئت يا موسى على قدر
[ ص: 281 ] ثلاثة كلهم باغ أخو حسد
يرميك بالظلم والعدوان عن وتر وصيف في الكرخ ممثول به وبغا
بالجسر محترق بالنار والشرر وصالح بن وصيف بعد منعفر
بالحير جثته والروح في سقر
[ ص: 276 ] ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33795_34064قَتْلِ صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ
وَفِيهَا قُتِلَ
صَالِحُ بْنُ وَصِيفٍ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ ، وَكَانَ سَبَبُهُ أَنَّ
الْمُهْتَدِيَ لَمَّا كَانَ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ أَظْهَرَ كِتَابًا زَعَمَ أَنَّ امْرَأَةً دَفَعَتْهُ إِلَى
سِيمَا الشَّرَابِيِّ ، وَقَالَتْ : إِنَّ فِيهِ نَصِيحَةً ، وَإِنَّ مَنْزِلَهَا بِمَكَانِ كَذَا ، فَإِنْ طَلَبُونِي فَأَنَا فِيهِ . وَطُلِبَتِ الْمَرْأَةُ فَلَمْ تُوجَدْ .
وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَدْرِ مَنْ أَلْقَى الْكِتَابَ .
وَدَعَا
الْمُهْتَدِي الْقُوَّادَ ،
وَسُلَيْمَانَ بْنَ وَهْبٍ ، فَأَرَاهُمُ الْكِتَابَ ، فَزَعَمَ
سُلَيْمَانُ أَنَّهُ خَطُّ
صَالِحٍ ، فَقَرَأَهُ عَلَى الْقُوَّادِ ، فَإِذَا فِيهِ أَنَّهُ مُسْتَخْفٍ
بِسَامَرَّا ، وَإِنَّمَا اسْتَتَرَّ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ وَإِبْقَاءِ الْمُوَالِي ، وَطَلَبًا لِانْقِطَاعِ الْفِتَنِ ، وَذَكَرَ مَا صَارَ إِلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْكُتَّابِ ،
وَأُمِّ الْمُعْتَزِّ ، وَجِهَةَ خُرُوجِهَا ، وَيَدُلُّ فِيهِ عَلَى قُوَّةِ نَفْسِهِ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قِرَاءَتِهِ وَصَلَهُ
الْمُهْتَدِي بِالْحَثِّ عَلَى الصُّلْحِ ، وَالِاتِّفَاقِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ التَّبَاغُضِ وَالتَّبَايُنِ ، فَاتَّهَمَهُ الْأَتْرَاكُ بِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَكَانَ
صَالِحٍ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ ، وَطَالَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ .
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ اجْتَمِعُوا بِدَارِ
مُوسَى بْنِ بُغَا دَاخِلَ
الْجَوْسَقِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى خَلْعِ
الْمُهْتَدِي ، فَقَالَ لَهُمْ بَايِكْبَاكُ : إِنَّكُمْ قَتَلْتُمُ
ابْنَ الْمُتَوَكِّلِ ، وَهُوَ حَسَنُ الْوَجْهِ ، سَخِيُّ الْكَفِّ ، فَاضِلُ النَّفْسِ ، وَتُرِيدُونَ قَتْلَ هَذَا ، وَهُوَ مُسْلِمٌ يَصُومُ وَلَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ ، مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ ! وَاللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمْ هَذَا لَأَلْحَقَنَّ
بِخُرَاسَانَ ( لِأُشِيعَ أَمْرَكُمْ هُنَاكَ ) .
فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ
بِالْمُهْتَدِي ، فَتَحَوَّلَ مِنْ مَجْلِسِهِ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ، وَقَدْ لَبِسَ ثِيَابًا نِظَافًا وَتَطَيَّبَ ، ثُمَّ أَمَرَ بِإِدْخَالِهِمْ عَلَيْهِ ، فَدَخَلُوا فَقَالَ لَهُمْ : بَلَغَنِي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ، وَلَسْتُ كَمَنْ تَقَدَّمَنِي مِثْلَ
الْمُسْتَعِينِ ،
وَالْمُعْتَزِّ ، وَاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ إِلَّا وَأَنَا مُتَحَنِّطٌ ، وَقَدْ أَوْصَيْتُ إِلَى أَخِي بِوَلَدِي ، وَهَذَا سَيْفِي وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ بِهِ مَا اسْتَمْسَكَ قَائِمُهُ بِيَدِي ، وَاللَّهِ لَئِنْ سَقَطَ مِنِّي شَعْرَةٌ لِيَهْلِكَنَّ وَلَيَذْهَبَنَّ أَكْثَرُكُمْ .
كَمْ هَذَا الْخِلَافُ عَلَى الْخُلَفَاءِ ، وَالْإِقْدَامُ ، وَالْجُرْأَةُ عَلَى اللَّهِ ! سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ مَنْ قَصَدَ الْإِبْقَاءَ عَلَيْكُمْ ، وَمَنْ كَانَ إِذَا بَلَغَهُ هَذَا مِنْكُمْ دَعَا بِالنَّبِيذِ فَشَرِبَهُ مَسْرُورًا بِمَكْرُوهِكُمْ ،
[ ص: 277 ] حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ ، أَمَا إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَّصِلِينَ بِكُمْ أَيْسَرُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِي وَوَلَدِي ( سَوْأَةٌ لَكُمْ ) ، يَقُولُونَ : إِنِّي أَعْلَمُ بِمَكَانِ
صَالِحٍ ، وَهَلْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي ؟ فَكَيْفَ الْإِقَامَةُ مَعَهُ إِذَا سَاءَ رَأْيُكُمْ فِيهِ ؟ وَإِذَا أَبْرَمْتُمُ الصُّلْحَ فِيهِ كَانَ ( ذَلِكَ مَا أُنْفِذُهُ لِجَمِيعِكُمْ ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَشَأْنَكُمْ ، وَاطْلُبُوا صَالِحًا ، وَأَمَّا أَنَا فَمَا أَعْلَمُ مَكَانَهُ ) .
قَالُوا : فَاحْلِفْ لَنَا عَلَى ذَلِكَ ! قَالَ : أَمَّا الْيَمِينُ فَنَعَمْ ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ بِحَضْرَةِ
بَنِي هَاشِمٍ ، وَالْقُضَاةِ غَدًا إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ ; ثُمَّ قَالَ
لِبَايِكْبَاكَ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ بُغَا : قَدْ حَضَرْتُمَا مَا عَمِلَهُ
صَالِحٌ فِي أَمْوَالِ الْكُتَّابِ ،
وَأُمِّ الْمُعْتَزِّ ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَقَدْ أَخَذْتُمَا مِثْلَهُ ، فَأَحْفَظَهُمَا ذَلِكَ ، ثُمَّ أَرَادُوا خَلْعَهُ ، وَإِنَّمَا مَنَعَهُمْ خَوْفُ الِاضْطِرَابِ وَقِلَّةُ الْأَمْوَالِ ، فَأَتَاهُمْ مَالٌ مِنْ
فَارِسٍ عَشَرَةُ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَلَمَّا كَانَ سَلْخُ الْمُحَرَّمِ انْتَشَرَ الْخَبَرُ فِي الْعَامَّةِ أَنَّ الْقَوْمَ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى خَلْعِ الْمُهْتَدِي وَالْفَتْكِ بِهِ ، وَأَنَّهُمْ قَدْ أَرْهَقُوهُ ، وَكَتَبُوا الرِّقَاعَ وَرَمَوْهَا فِي الطُّرُقِ وَالْمَسَاجِدِ ، مَكْتُوبٌ فِيهَا : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ادْعُوا اللَّهَ لِخَلِيفَتِكُمُ الْعَدْلِ ، الرِّضَا ، الْمُضَاهِي
nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَأَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ عَلَى عَدُوِّهِ ، وَيَكْفِيَهُ مَئُونَةَ ظَالِمِهِ ، وَتَتِمَّ النِّعْمَةُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِبَقَائِهِ ، فَإِنَّ الْأَتْرَاكَ قَدْ أَخَذُوهُ بِأَنْ يَخْلَعَ نَفْسَهُ ، وَهُوَ يُعَذَّبُ مُنْذُ أَيَّامٍ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ تَحَرَّكَ الْمَوَالِي
بِالْكَرْخِ وَالدُّورِ ، وَبَعَثُوا إِلَى
الْمُهْتَدِي ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بَعْضَ إِخْوَتِهِ لِيُحَمِّلُوهُ رِسَالَةً ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ أَخَاهُ
أَبَا الْقَاسِمِ عَبْدَ اللَّهِ ، فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّهُمْ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ ، وَأَنَّهُمْ بَلَغَهُمْ أَنَّ
مُوسَى ، وَجَمَاعَةً مَعَهُ يُرِيدُونَهُ عَلَى الْخَلْعِ ، وَأَنَّهُمْ يَبْذُلُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَ ذَلِكَ ( وَمَا هُمْ دُونَ ذَلِكَ ) ، وَشَكَوْا تَأَخُّرَ أَرْزَاقِهِمْ ، وَمَا صَارَ مِنَ الْأَقْطَاعِ ، وَالزِّيَادَاتِ ، وَالرُّسُومِ إِلَى قُوَّادِهِمُ الَّتِي قَدْ أَجْحَفَتْ بِالْخَرَاجِ وَالضِّيَاعِ ، مَا قَدْ أَخَذُوا النِّسَاءَ وَالدُّخَلَاءَ ، فَكَتَبُوا بِذَلِكَ كِتَابًا ، فَحَمَلَهُ
[ ص: 278 ] إِلَى
الْمُهْتَدِي وَكَتَبَ جَوَابَهُ بِخَطِّهِ : قَدْ فَهِمْتُ كِتَابَكُمْ ، وَسَرَّنِي مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ طَاعَتِكُمْ ، فَأَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَكُمْ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ خَلَّتِكُمْ وَحَاجَتِكُمْ فَعَزِيزٌ عَلَيَّ ذَلِكَ ، وَلَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنَّ صَلَاحَكُمْ يُهَيَّأُ بِأَنْ لَا آكُلَ وَلَا أَشْرَبَ وَلَا أُطْعِمَ وَلَدِي إِلَّا الْقُوتَ ، وَلَا أَكْسُوَهُ ) إِلَّا سَتْرَ الْعَوْرَةِ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا صَارَ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْوَالِ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْإِقْطَاعَاتِ وَغَيْرِهَا فَأَنَا أَنْظُرُ فِي ذَلِكَ وَأُصَرِّفُهُ إِلَى مَحَبَّتِكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
فَقَرَءُوا الْكِتَابَ وَكَتَبُوا ، بَعْدَ الدُّعَاءِ ، يَسْأَلُونَ أَنْ يَرُدَّ الْأُمُورَ فِي الْخَاصِّ وَالْعَامِّ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مُعْتَرِضٌ ، وَأَنْ يَرُدَّ رُسُومَهُمْ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامَ
الْمُسْتَعِينِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلِّ تِسْعَةٍ عَرِيفٌ ، وَعَلَى كُلِّ خَمْسِينَ خَلِيفَةٌ ، وَعَلَى كُلِّ مِائَةٍ قَائِدٌ ، وَأَنْ يُسْقِطَ النِّسَاءَ وَالزِّيَادَاتِ ، وَلَا يَدْخُلَ مَوْلًى فِي مَالِهِ وَلَا غَيْرُهُ ، وَأَنْ يُوضَعَ لَهُمُ الْعَطَاءُ كُلَّ شَهْرَيْنِ ، وَأَنْ تُبْطَلَ الْإِقْطَاعَاتُ ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَائِرُونَ إِلَى بَابِهِ لِيَقْضِيَ حَوَائِجَهُمْ ، وَإِنْ بَلَغَهُمْ أَنَّ أَحَدًا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَخَذُوا رَأْسَهُ ، وَإِنْ سَقَطَ مِنْ رَأْسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ شَعْرَةٌ قَتَلُوا بِهَا
مُوسَى بْنَ بُغَا وَبَايِكْبَاكَ وَيَاجُورَ وَغَيْرَهُمْ .
وَأَرْسَلُوا الْكِتَابَ مَعَ
أَبِي الْقَاسِمِ ، وَتَحَوَّلُوا إِلَى
سَامَرَّا ، فَاضْطَرَبَ الْقُوَّادُ جِدًّا ; وَقَدْ كَانَ
الْمُهْتَدِي قَعَدَ لِلْمَظَالِمِ ، وَعِنْدَهُ الْفُقَهَاءُ ، وَالْقُضَاةُ ، وَقَامَ الْقُوَّادُ فِي مَرَاتِبِهِمْ ، فَدَخَلَ
أَبُو الْقَاسِمِ إِلَيْهِ بِالْكِتَابِ ، فَقَرَأَهُ لِلْقُوَّادِ قِرَاءَةً ظَاهِرَةً ، وَفِيهِمْ
مُوسَى ، وَكَتَبَ جَوَابَهُ بِخَطِّهِ ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى مَا سَأَلُوا ، وَدَفَعَهُ إِلَى
أَبِي الْقَاسِمِ ، فَقَالَ
أَبُو الْقَاسِمِ لِمُوسَى بْنِ بُغَا ،
وَبَايِكْبَاكَ ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ بُغَا : وَجِّهُوا مَعِي رُسُلًا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِمْ عَنْكُمْ ; فَوَجَّهُوا مَعَهُ رُسُلًا ، فَوَصَلُوا إِلَى
الْأَتْرَاكِ ، وَهُمْ زُهَاءُ أَلْفِ فَارِسٍ ، وَثَلَاثَةُ آلَافِ رَاجِلٍ ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ صَفَرٍ ، فَأَوْصَلَ الْكِتَابَ ، وَقَالَ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَجَابَكُمْ إِلَى مَا سَأَلْتُمْ ، وَقَالَ لَهُمْ : هَؤُلَاءِ رُسُلُ الْقُوَّادِ إِلَيْكُمْ ، يَعْتَذِرُونَ مِنْ شَيْءٍ إِنْ كَانَ بَلَغَكُمْ عَنْهُمْ ، وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَةٌ ، وَأَنْتُمْ مِنَّا وَإِلَيْنَا ، وَاعْتَذَرَ عَنْهُمْ .
[ ص: 279 ] فَكَتَبُوا إِلَى
الْمُهْتَدِي يَطْلُبُونَ خَمْسَةَ تَوْقِيعَاتٍ ، تَوْقِيعًا بِخَطِّ الزِّيَادَاتِ ، وَتَوْقِيعًا بِرَدِّ الْإِقْطَاعَاتِ ، وَتَوْقِيعًا بِإِخْرَاجِ الْمَوَالِي الْبَرَّانِيِّينَ مِنَ الْخَاصَّةِ إِلَى الْبَرَّانِيِّينَ ، وَتَوْقِيعًا بِرَدِّ الرُّسُومِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ أَيَّامَ الْمُسْتَعِينِ ، وَتَوْقِيعًا بِرَدِّ الْبَلَاجِيِّ ، ثُمَّ يَجْعَلُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَيْشَ إِلَى أَحَدِ إِخْوَتِهِ ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَرَى لِيَرْفَعَ إِلَيْهِمْ أُمُورَهُمْ ، وَلَا يَكُونُ رَجُلًا مِنَ الْمَوَالِي ، وَأَنْ يُحَاسِبَ
صَالِحَ بْنَ وَصِيفٍ ،
وَمُوسَى بْنَ بُغَا عَمَّا عِنْدَهُمَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَيَجْعَلَ لَهُمُ الْعَطَاءَ كُلَّ شَهْرَيْنِ ، لَا يُرْضِيهِمْ إِلَّا ذَلِكَ ، وَدَفَعُوا الْكِتَابَ إِلَى
أَبِي الْقَاسِمِ ، وَكَتَبُوا كِتَابًا آخَرَ إِلَى الْقُوَّادِ
مُوسَى وَغَيْرِهِ [ ذَكَرُوا فِيهِ ] أَنَّهُمْ كَتَبُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا كَتَبُوا ، وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُمْ شَيْئًا مِمَّا طَلَبُوا إِلَّا أَنْ يَعْتَرِضُوا عَلَيْهِ ، وَأَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يُوَافِقُوهُمْ ، وَأَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ شَاكَهُ شَوْكَةٌ ، وَأُخِذَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَةٌ ، أَخَذُوا رُءُوسَهُمْ جَمِيعًا ، وَلَا يُقْنِعُهُمْ إِلَّا أَنْ يَظْهَرَ
صَالِحٌ ، وَيَجْتَمِعَ هُوَ
وَمُوسَى بْنُ بُغَا حَتَّى يَنْظُرَ أَيْنَ الْأَمْوَالُ .
فَلَمَّا قَرَأَ
الْمُهْتَدِي الْكِتَابَ أَمَرَ بِإِنْشَاءِ التَوْقِيعًاتِ الْخَمْسَةِ عَلَى مَا سَأَلُوا ، وَسَيَّرَهَا إِلَيْهِمْ مَعَ
أَبِي الْقَاسِمِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ بِإِجَابَتِهِمْ إِلَى مَا طَلَبُوا ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ
مُوسَى بْنُ بُغَا ( كَذَلِكَ ، وَأَذِنَ ) فِي ظُهُورِ
صَالَحٍ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَخُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ ، وَأَنَّهُ مَا أَرَادَ مَا يَكْرَهُونَ ، فَلَمَّا قَرَءُوا الْكِتَابَيْنِ قَالُوا قَدْ أَمْسَيْنَا ، وَغَدًا نُعَرِّفُكُمْ رَأْيَنَا ، فَافْتَرَقُوا .
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَكِبَ
مُوسَى مِنْ دَارِ الْخَلِيفَةِ ، وَمَعَهُ مِنْ عَسْكَرِهِ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ ، فَوَقَفَ عَلَى طَرِيقِهِمْ ، وَأَتَاهُمْ
أَبُو الْقَاسِمِ ، فَلَمْ يَعْقِلْ مِنْهُمْ جَوَابًا إِلَّا كُلُّ طَائِفَةٍ يَقُولُونَ شَيْئًا ، فَلَمَّا طَالَ الْكَلَامُ انْصَرَفَ
أَبُو الْقَاسِمِ ، فَاجْتَازَ
بِمُوسَى بْنِ بُغَا وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ ، فَانْصَرَفَ مَعَهُ .
ثُمَّ أَمَرَ
الْمُهْتَدِي مُحَمَّدَ بْنَ بُغَا أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ مَعَ أَخِيهِ
أَبِي الْقَاسِمِ ، فَسَارَ فِي خَمْسِمِائَةِ فَارِسٍ ، وَرَجَعَ
مُوسَى إِلَى مَكَانِهِ بُكْرَةً ، وَتَقَدَّمَ
أَبُو الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بُغَا فَوَاعَدَاهُمْ عَنِ
الْمُهْتَدِي ، وَأَعْطَيَاهُمْ تَوْقِيعًا فِيهِ أَمَانُ
صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ ، مُوَكَّدًا غَايَةَ التَّوْكِيدِ ، فَطَلَبُوا أَنْ يَكُونَ
مُوسَى فِي مَرْتَبَةِ
بُغَا الْكَبِيرِ ،
وَصَالِحٌ فِي مَرْتَبَةِ أَبِيهِ ، وَيَكُونَ الْجَيْشُ ( فِي يَدِ مَنْ )
[ ص: 280 ] هُوَ فِي يَدِهِ ، وَأَنْ يَظْهَرَ
صَالِحُ بْنُ وَصِيفٍ ، وَيُوضَعَ لَهُمُ الْعَطَاءُ ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا ، فَقَالَ قَوْمٌ : قَدْ رَضِيَنَا ; وَقَالَ قَوْمٌ : لَمْ نَرْضَ ; فَانْصَرَفَ
أَبُو الْقَاسِمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ بُغَا عَلَى ذَلِكَ ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى
الْكَرْخِ ،
وَالدُّورِ وَسَامَرَّا .
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَكِبَ
بَنُو وَصِيفٍ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُمْ ، وَتَنَادَوْا : السِّلَاحَ ، وَنَهَبُوا دَوَابَّ الْعَامَّةِ ، وَعَسْكَرُوا
بِسَامَرَّا ، وَتَعَلَّقُوا
بِأَبِي الْقَاسِمِ ، وَقَالُوا : نُرِيدُ
صَالِحًا ! وَبَلَغَ ذَلِكَ
الْمُهْتَدِيَ ، فَقَالَ
لِمُوسَى : يَطْلُبُونَ
صَالِحًا مِنِّي كَأَنِّي أَنَا أَخْفَيْتُهُ ، إِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُظْهِرُوهُ .
ثُمَّ رَكِبَ
مُوسَى ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْقُوَّادِ ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ ، فَبَلَغَ عَسْكَرُهُ أَرْبَعَةَ آلَافِ فَارِسٍ ، وَعَسْكَرُوا ، وَتَفَرَّقَ الْأَتْرَاكُ وَمَنْ مَعَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ
لِلْكَرْخِيِّينَ وَلَا
لِلدُّورِيِّينَ فِي هَذَا الْيَوْمِ حَرَكَةٌ ، وَجَدَّ
مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ فِي طَلَبِ
ابْنِ وَصِيفٍ ، وَاتَّهَمُوا جَمَاعَةً بِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ غُلَامًا دَخَلَ دَارًا وَطَلَبَ مَاءً لِيَشْرَبَهُ ، فَسَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ تَنَحَّ ، فَإِنَّ غُلَامًا يَطْلُبُ مَاءً ، فَسَمِعَ الْغُلَامُ الْكَلَامَ ، فَجَاءَ إِلَى عَيَّارٍ فَأَخْبَرَهُ ، فَأَخَذَ مَعَهُ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ ، وَجَاءَ إِلَى
صَالِحٍ ، وَبِيَدِهِ مِرْآةٌ وَمُشْطٌ ، وَهُوَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ ، فَأَخَذَهُ ، فَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : لَا يُمْكِنُنِي تَرْكُكَ وَلَكِنِّي أَمُرُّ بِكَ عَلَى دِيَارِ أَهْلِكَ وَقُوَّادِكَ ، وَأَصْحَابِكَ ، فَإِنِ اعْتَرَضَكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ أَطْلَقْتُكَ .
فَأُخْرِجَ حَافِيًا لَيْسَ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ ، وَالْعَامَّةُ تَعْدُو خَلْفَهُ ، وَهُوَ عَلَى بِرْذَوْنٍ بِأُكَافٍ ، فَأَتَوْا بِهِ نَحْوَ
الْجَوْسَقِ ، فَضَرَبَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ
مُوسَى عَلَى عَاتِقِهِ ، ثُمَّ قَتَلُوهُ ، وَأَخَذُوا رَأْسَهُ ، وَتَرَكُوا جُثَّتَهُ ، وَوَافَوْا بِهِ دَارَ
الْمُهْتَدِي قَبْلَ الْمَغْرِبِ ، فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِكَ : فَقَالَ وَارُوهُ ، ثُمَّ حُمِلَ رَأْسُهُ وَطِيفَ بِهِ عَلَى قَنَاةٍ ، وَنُودِيَ عَلَيْهِ : هَذَا جَزَاءُ مَنْ قَتَلَ مَوْلَاهُ .
وَلَمَّا قُتِلَ أَنْزَلَ
مُوسَى رَأْسَ
بُغَا الصَّغِيرَ ، وَسُلِّمَ إِلَى أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ ، وَلَمَّا قُتِلَ
صَالِحٌ قَالَ
السَّلُولِيُّ لِمُوسَى بْنِ بُغَا :
أَخَذْتَ وَتَرَكَ مِنْ فِرْعَوْنَ حِينَ طَغَى وَجِئْتَ إِذْ جِئْتَ يَا مُوسَى عَلَى قَدَرِ
[ ص: 281 ] ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ بَاغٍ أَخُو حَسَدٍ
يَرْمِيكَ بِالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ عَنْ وَتَرِ وَصِيفٌ فِي الْكَرْخِ مَمْثُولٌ بِهِ وَبُغَا
بِالْجِسْرِ مُحْتَرِقٌ بِالنَّارِ وَالشَّرَرِ وَصَالِحُ بْنُ وَصِيفٍ بَعْدَ مُنْعَفِرٍ
بِالْحِيرِ جُثَّتُهُ وَالرُّوحُ فِي سَقَرِ