[ ص: 743 ] ذكر أبي زكرياء وإخوته بخراسان خروج
في هذه السنة خرج أبو زكرياء يحيى ، وأبو صالح منصور ، وأبو إسحاق إبراهيم ، أولاد أحمد بن إسماعيل الساماني ، على أخيهم السعيد نصر بن أحمد ، وقيل كان ذلك ثماني عشرة [ وثلاثمائة ] وهو الصحيح .
وكان سبب ذلك أن أخاهم نصرا كان قد حبسهم في القهندز ببخارى ، ووكل بهم من يحفظهم ، فتخلصوا منه ، وكان سبب خلاصهم أن رجلا يعرف بأبي بكر الخباز الأصبهاني كان يقول إذا جرى ذكر السعيد نصر بن أحمد : إن له مني يوما طويل البلاء والعناء ، فكان الناس يضحكون منه ، فخرج السعيد إلى نيسابور ، واستخلف ببخارى أبا العباس الكوسج ، وكانت وظيفة إخوته تحمل إليهم من عند أبي بكر الخباز وهم في السجن ، فسعى لهم أبو بكر مع جماعة من أهل العسكر ليخرجوهم ، فأجابوه إلى ذلك ، وأعلمهم ما سعى لهم فيه .
فلما سار السعيد عن بخارى تواعد هؤلاء للاجتماع بباب القهندز يوم جمعة ، وكان الرسم أن لا يفتح باب القهندز أيام الجمع إلا بعد العصر ، فلما كان الخميس دخل أبو بكر الخباز إلى القهندز قبل الجمعة التي اتعدوا الاجتماع فيها بيوم ، فبات فيه ، فلما كان الغد ، وهو الجمعة ، جاء الخباز إلى باب القهندز ، وأظهر للبواب زهدا ودينا ، وأعطاه خمسة دنانير ليفتح له الباب ليخرجه لئلا تفوته الصلاة ، ففتح له ( الباب ، فصاح أبو بكر الخباز بمن وافقهم على إخراجهم ، وكانوا على الباب ) ، فأجابوه ، وقبضوا على البواب ، ودخلوا وأخرجوا يحيى ، ومنصورا ، وإبراهيم بني من الحبس مع [ ص: 744 ] جميع من فيه من أحمد بن إسماعيل الديلم ، والعلويين ، والعيارين ، فاجتمعوا ، واجتمع إليهم من كان وافقهم من العسكر ، ورأسهم شروين الجيلي وغيره من القواد . ثم إنهم عظمت شوكتهم ، ونهبوا خزائن السعيد نصر بن أحمد ودوره وقصوره ، واختص يحيى بن أحمد أبا بكر الخباز ، وقدمه وقوده ، وكان السعيد إذ ذاك بنيسابور ، وكان أبو بكر محمد بن المظفر ، صاحب جيش خراسان ، بجرجان ، فلما خرج يحيى وبلغ خبره السعيد ، عاد من نيسابور إلى بخارى ، وبلغ الخبر إلى ، فراسل محمد بن المظفر ماكان بن كالي ، وصاهره ، وولاه نيسابور ، وأمره بمنعها ممن يقصدها ، فسار ماكان إليها ، وكان السعيد قد سار من نيسابور إلى بخارى ، ( وكان يحيى وكل ) بالنهر أبا بكر الخباز ، فأخذه السعيد أسيرا ، وعبر النهر إلى بخارى فبالغ في تعذيب الخباز ، ثم ألقاه في التنور الذي كان يخبز فيه فاحترق .
وسار يحيى من بخارى إلى سمرقند ، ثم خرج منها واجتاز بنواحي الصغانيان وبها أبو علي بن أبي بكر محمد بن المظفر ، وسار يحيى إلى ترمذ ، فعبر النهر إلى بلخ وبها قراتكين ، فوافقه قراتكين ، وخرجا إلى مرو ، ولما ورد محمد بن المظفر بنيسابور كاتبه يحيى ، واستماله فأظهر له محمد الميل إليه ، ووعده المسير نحوه ، ثم سار عن نيسابور ، واستخلف بها ماكان بن كالي ، وأظهر أنه يريد مرو ، ثم عدل عن الطريق نحو بوشنج وهراة مسرعا في سيره واستولى عليهما .
وسار محمد عن هراة نحو الصغانيان على طريق غرشستان ، فبلغ خبره يحيى فسير ( إلى طريقه ) عسكرا فلقيهم محمد فهزمهم وسار عن غرشستان ، واستمد ابنه أبا علي من الصغانيان ، فأمده بجيش ، وسار إلى محمد بن المظفر بلخ ، وبها ( منصور بن ) قراتكين ، فالتقيا ، واقتتلا قتالا شديدا ، فانهزم منصور إلى الجوزجان ، وسار محمد [ ص: 745 ] إلى الصغانيان ، فاجتمع بولده ، وكتب إلى السعيد يخبره ، ( فسره ذلك ) ، ( وولاه بلخ وطخارستان ) واستقدمه ، فولاهما محمد ابنه أبا علي أحمد ، وأنفذه إليهما ، ولحق محمد بالسعيد ، فاجتمع به ببلخ رستاق ، وهو في أثر يحيى وهو بهراة .
وكان يحيى قد سار إلى نيسابور ، وبها ماكان بن كالي ، ( فمنعه عنها ، ونزلوا عليها ، فلم يظفروا بها ، وكان مع يحيى محمد ) ( بن إلياس ) فاستأمن إلى ماكان ، واستأمن منصور وإبراهيم أخو يحيى إلى السعيد نصر فلما قارب السعيد هراة ، وبها يحيى وقراتكين ، سارا عن هراة إلى بلخ ، فاحتال قراتكين ليصرف السعيد عن نفسه ، فأنفذ يحيى من بلخ إلى بخارى ، ( وأقام هو ببلخ ، فعطف السعيد إلى بخارى ، فلما عبر النهر هرب يحيى من بخارى إلى سمرقند ، ثم عاد من سمرقند ثانيا ، فلم يعاونه قراتكين ، فسار إلى نيسابور ، وبها محمد بن إلياس قد قوي أمره ، وسار عنها ماكان إلى جرجان ، ووافقه محمد بن إلياس ، وخطب له ، وأقاموا بنيسابور .
وكان السعيد في أثر يحيى لا يمكنه من الاستقرار ، فلما بلغهم خبر مجيء السعيد ( إلى نيسابور ) تفرقوا ، فخرج ابن إلياس إلى كرمان وأقام بها ، وخرج قراتكين ومعه يحيى إلى بست والرخج ، فأقاما بها ، ووصل نصر بن أحمد نيسابور في سنة عشرين وثلاثمائة ، فأنفذ إلى قراتكين ، وولاه بلخ ، وبذل الأمان ليحيى ، فجاء إليه ، وزالت الفتنة ، وانقطع الشر وكان قد دام هذه المدة كلها .
وأقام السعيد بنيسابور إلى أن حضر عنده يحيى ، فأكرمه ، وأحسن إليه ، ثم مضى بها لسبيله هو وأخوه أبو صالح منصور ، فلما رأى أخوهما إبراهيم ذلك هرب من عند السعيد إلى بغداذ ، ثم منها إلى الموصل ، وسيأتي خبره إن شاء الله تعالى .
[ ص: 746 ] وأما قراتكين فإنه مات ببست ، ونقل إلى أسبيجاب ، فدفن بها في رباطه المعروف برباط قراتكين ، ( ولم يملك ضيعة قط ) ، وكان يقول : ينبغي للجندي أن يصحبه كل ما ملك أين سار ، حتى لا يعتقله شيء .