ذكر السلطان مسعود ، والملكين سلجوقشاه وداود ، واستقرار السلطنة بالعراق لمسعود حال
لما توفي ، وخطب ببلاد الجبل السلطان محمود ابن السلطان محمد وأذربيجان لولده الملك داود - على ما ذكرناه - سار الملك داود من همذان في ذي [ ص: 34 ] القعدة من سنة خمسين وعشرين [ وخمسمائة ] إلى زنجان ، فأتاه الخبر أن عمه السلطان مسعودا قد سار من جرجان ، ووصل إلى تبريز واستولى عليها ، فسار الملك داود إليه وحصره بها ، وجرى بينهما قتال إلى سلخ المحرم سنة ست وعشرين [ وخمسمائة ] ثم اصطلحا .
وتأخر الملك داود مرحلة ، وخرج السلطان مسعود من تبريز ، واجتمعت عليه العساكر ، وسار إلى همذان ، وأرسل يطلب الخطبة ببغداذ ، وكانت رسل الملك داود قد تقدمت في طلب الخطبة ، فأجاب المسترشد بالله أن الحكم في الخطبة إلى السلطان سنجر ، من أراد خطب له ، وأرسل إلى السلطان سنجر أن لا يأذن لأحد في الخطبة ;فإن الخطبة ينبغي أن تكون له وحده ، فوقع ذلك منه موقعا حسنا .
ثم إن السلطان مسعودا كاتب عماد الدين زنكي صاحب الموصل وغيرها يستنجده ، ويطلب مساعدته ، فوعده النصر ، فقويت بذلك نفس مسعود على طلب السلطنة .
ثم إن الملك سلجوقشاه ابن السلطان محمد سار أتابكه قراجة الساقي صاحب فارس وخوزستان ، في عسكر كثير إلى بغداذ ، فوصل إليها قبل وصول السلطان مسعود ، ونزل في دار السلطان ، وأكرمه الخليفة واستحلفه لنفسه .
ثم وصل رسول السلطان مسعود يطلب الخطبة ، ويتهدد إن منعها ، فلم يجب إلى ما طلبه ، فسار حتى نزل عباسية الخالص ، وبرز عسكر الخليفة وعسكر سلجوقشاه وقراجة الساقي نحو مسعود إلى أن يفرغ من حرب أتابك عماد الدين زنكي ، وسار يوما وليلة إلى المعشوق ، وواقع عماد الدين زنكي فهزمه ، وأسر كثيرا من أصحابه ، وسار زنكي منهزما إلى تكريت ، فعبر فيها دجلة ، وكان الدزدار بها حينئذ نجم الدين أيوب ، فأقام له المعابر ، فلما عبر أمن الطلب ، وسار إلى بلاده لإصلاح حاله وحال رجاله ، وهذا الفعل من نجم الدين أيوب كان سببا لاتصاله به والمصير [ ص: 35 ] في جملته ، حتى آل بهم الأمر إلى ملك مصر والشام وغيرهما على ما نذكره .
وأما السلطان مسعود فإنه سار من العباسية إلى الملكية ، ووقعت الطلائع بعضها على بعض ، ثم لم تزل المناوشة تجري بينه وبين أخيه سلجوقشاه يومين .
وأرسل سلجوقشاه إلى قراجة يستحثه على المبادرة ، فعاد سريعا ، وعبر دجلة إلى الجانب الشرقي ، فلما علم السلطان مسعود بانهزام عماد الدين زنكي رجع إلى ورائه ، وأرسل إلى الخليفة يعرفه وصول السلطان سنجر إلى الري ، وأنه عازم على قصد الخليفة وغيره ، وإن رأيتم أن نتفق على قتاله ودفعه عن العراق ، ويكون العراق لوكيل الخليفة ، فأنا موافق على ذلك . فأعاد الخليفة الجواب يستوقفه .
وترددت الرسل في الصلح ، فاصطلحوا على أن يكون العراق لوكيل الخليفة ، وتكون السلطنة لمسعود ، ويكون سلجوقشاه ولي عهده ، وتحالفوا على ذلك ، وعاد السلطان مسعود إلى بغداذ ، فنزل بدار السلطان ، ونزل سلجوقشاه في دار الشحنكية ، وكان اجتماعهم في جمادى الأولى .