والمراد بالأركان هنا : ما لا يتم القياس إلا به ، فتكون مجازا ; لأن أركان الشيء حقيقة : هي أجزاؤه التي يتألف منها ، كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصلاة إلا أن يعني بالقياس مجموع هذه الأمور الأربعة مع الحمل تغليبا فتصير الأربعة شطرا للقياس ، وأما ما حكي عن بعضهم من أن القياس يجوز من غير أصل ، فقال ( وأركانه ) أي القياس أربعة ( أصل ، وفرع ، وعلة وحكم ) ابن السمعاني : هو قول من خلط الاجتهاد بالقياس والحق أن القياس نوع من الاجتهاد والذي لا يحتاج إلى أصل : هو ما سواه من أنواع الاجتهاد وأما القياس : فلا بد له من أصل . ثم اعلم أن القياس الشرعي راجع في الحقيقة إلى القياس العقلي المنطقي المؤلف من المقدمتين ; لأن قولنا : النبيذ مسكر ، فكان حراما كالخمر مختصر من قولنا : النبيذ مسكر ، وكل مسكر حرام وليس في الأول زيادة على الثاني ، إلا ذكر الأصل المقيس عليه على جهة التنظير به والتأنس ولهذا لو قلنا : النبيذ مسكر فهو حرام ، لحصل المقصود ، وإذا ثبت أن القياس الشرعي راجع إلى العقلي ، لزم فيه ما يلزم في العقلي ، من كونه على أربعة [ ص: 482 ] أركان .
وبيانه : أن المقدمتين والنتيجة تشتمل على ستة أجزاء ، من بين موضوع ومحمول فسقط منها بالتكرار جزءان ، وهو الحد الأوسط ، يبقى أربعة أجزاء هي أركان المقصود . وهي التي يقتصر عليها الفقهاء في أقيستهم مثاله : قولنا النبيذ مسكر ، جزءان : موضوع وهو النبيذ ، ومحمول وهو مسكر ثم نقول : وكل مسكر حرام . فهذان جزءان . ويلزم عن ذلك : النبيذ حرام وهما جزءان آخران صارت ستة أجزاء ، هكذا : النبيذ مسكر ، وكل مسكر حرام ، فالنبيذ حرام ، يسقط منها لفظ " مسكر " مرتين ; لأنه محمول في المقدمة الأولى موضوع في الثانية ، يبقى هكذا : النبيذ مسكر ، فهو حرام ، وهو صورة قياس الفقهاء .
( فالأصل محل الحكم المشبه به ) عند الفقهاء وكثير من المتكلمين ، كالخمر في المثال السابق ، لافتقار الحكم والنص إليه وقيل : إن الأصل دليل الحكم ، وحكي عن المتكلمين والمعتزلة . فيكون في المثال في قوله تعالى { فاجتنبوه } وما في معناه من الكتاب والسنة والإجماع وقيل : إن الأصل نفس حكم المحل ، فهو نفس الحكم الذي في الأصل ، كالتحريم في المثال ; لأنه الذي يتفرع عليه الحكم في الفرع . قال ابن قاضي الجبل وغيره : والنزاع لفظي ، لصحة إطلاق الأصل على كل منهما ، واختار : أنه الحكم والعلة ( والفرع المحل المشبه ) كالنبيذ في المثال السابق ، وبه قال الفقهاء ، حكاه ابن عقيل ابن العراقي عنهم وقيل : إنه حكم المشبه به ، وهو التحريم ، وبه قال المتكلمون .
قال ابن قاضي الجبل : وهو الأصح ، وإنما قدم تعريف الفرع على الحكم والعلة لمقابلته للأصل ، فناسب ذكره لما بين الضدين ، من اللزوم الذهني ، والعلة فرع للأصل وأصل للفرع اتفاقا ، لبناء حكمه عليه ( والحكم ) المستفاد من القياس هو ( المعلل ) لا المحكوم فيه ، خلافا لأبي علي الطبري . الشافعي