الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) من شروط العلة أيضا ( أن لا ترجع عليه ) أي على حكم الأصل الذي [ ص: 501 ] استنبطت منه ( بإبطال ) حتى لو استنبطت من نص ، وكانت تؤدي إلى ذلك كان ذلك فاسدا ، وذلك ; لأن الأصل منشؤها ، فإبطالها له إبطال لها ; لأنها فرعه ، والفرع لا يبطل أصله ; إذ لو أبطل أصله لأبطل نفسه ، كتعليل الحنفية وجوب الشاة في الزكاة : بدفع حاجة الفقير ، فإنه مجوز لإخراج قيمة الشاة ، فيتخير على ذلك بينها وبين قيمتها ، وهو مفض إلى عدم وجوبها .

ولهم أن يقولوا : ما الفرق بين هذا وبين تجويزكم الاستنجاء بكل جامد طاهر قالع غير محترم ، استنباطا من أمره عليه الصلاة والسلام في الاستنجاء بثلاثة أحجار ؟ فإنكم أبطلتم هذا التوسيع بغير الأحجار المأمور بها ، لكنا نقول : إنما فهمنا إبطال تعيينها من قوله صلى الله عليه وسلم ، بعد ما أمره بالاستنجاء بثلاثة أحجار { ولا يستنجي برجيع ولا عظم } فدل على أنه أراد أولا : الأحجار وما في معناها ، وإلا لم يكن للنهي عن الرجيع والعظم فائدة .

( وفي قول : ولا بتخصيص ) يعني أنه هل من شروط العلة : أن لا تعود على حكم الأصل الذي استنبطت منه بتخصيص ، أو ليس ذلك من شرطها ؟ للعلماء في ذلك قولان ، ومن أمثلة ذلك : حديث { النهي عن بيع اللحم بالحيوان } فإنه شامل للمأكول وغيره ، والعلة فيه - وهو معنى الربا - تقتضي تخصيصه بالمأكول ; لأنه بيع ربوي بأصله . فما ليس بربوي لا مدخل له في النهي ، فقد عادت العلة على أصلها بالتخصيص ، فلذلك جرى للشافعي قولان في بيع اللحم بالحيوان غير المأكول ، مأخذهما ذلك .

ولأصحابنا أيضا في ذلك قولان ، والصحيح منهما : صحة البيع في بيع اللحم بالحيوان مطلقا . وأما عود العلة على حكم الأصل بالتعميم : فإنه جائز بغير خلاف ، كما يستنبط من قوله صلى الله عليه وسلم { لا يقضي القاضي وهو غضبان } أن العلة : تشويش الفكر ، فيتعدى إلى كل مشوش من شدة فرح ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية