الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وليس [ ص: 206 ] فيه ) أي في القرآن ( ما لا معنى له ) في الصحيح على القول بأن المسألة ذات خلاف . قال القرافي في شرح جمع الجوامع : والظاهر أن خلافهم فيما له معنى ولا نفهمه ، أما ما لا معنى له أصلا فمنعه محل وفاق . انتهى . وما قاله ظاهر ; لأنه لا يخالف فيه إلا جاهل أو معاند لأن ما لا معنى له هذيان لا يليق أن يتكلم به عاقل . فكيف بالباري سبحانه وتعالى ؟ لكن حكي عن الحشوية وقوعه في الحروف المقطعة في أوائل السور . وفي قوله تعالى ( { كأنه رءوس الشياطين } ) وقوله تعالى ( { تلك عشرة كاملة } ) وقوله تعالى ( { نفخة واحدة } ) وقوله تعالى ( { لا تتخذوا إلهين اثنين } ) ونحوه .

وأجاب الجمهور : بأن الحروف المقطعة : إما أسماء السور ، أو أسماء الله تبارك وتعالى ، أو سر الله تعالى في كتابه مما استأثر بعلمه أو غيرها مما هو مذكور في التفاسير ، وبأن رءوس الشياطين مثل في الاستقباح ، على عادة العرب في ضرب الأمثال مما يتخيلونه قبيحا . قال ابن قاضي الجبل : ورءوس الشياطين : استقر قبحها في الأنفس فشبه بها . كقول امرئ القيس :

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال

فشبهها بأنياب الأغوال لقبحها المستقر وإن لم يكن لها حقيقة . كذلك ذكره المازري . وقوله { عشرة كاملة } فيه شيئان : الجمع والتأكيد بالكمال . وجواب الجمع : رفع المجاز المتوهم في الواو العاطفة ; إذ يجوز استعمالها بمعنى أو مجازا .

كقوله تعالى ( { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } ) والتأكيد أفاد عدم النقص في الذات ، كما قال تعالى ( { حولين كاملين } ) أو عدم النقص في الأجر ، دفعا لتوهم النقص بسبب التأخير ، ووصف النفخة بالواحدة إبعاد للمجاز وتقرير لوحدتها بسبب المفرد ; لأن الواحد قد يكون بالجنس . وقوله { إلهين اثنين } قال صاحب المثل السائر : التكرير في المعنى يدل على معنيين مختلفين .

كدلالته على الجنس والعدد ، وهو باب من التكرير مشكل ; لأنه يسبق إلى الذهن أنه تكرير محض يدل على معنى واحد . وليس كذلك . فالفائدة إذا في قوله " { إلهين اثنين } وإله واحد : هي أن الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال [ ص: 207 ] على الجنسية والعدد المخصوص . فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به واحد منهما ، وكان الذي يساق إليه هو العدد شفع بما يؤكده . وهذا دقيق المسلك . وألحق الرازي في المحصول كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام الله تعالى . فقال : لا يجوز أن يتكلم الله ورسوله بشيء ولا يعني به شيئا ، خلافا للحشوية . وسموا حشوية ; لأنهم كانوا يجلسون في حلقة الحسن البصري أمامه . فلما أنكر كلامهم قال : ردوهم إلى حشو الحلقة ، أي جانبها . وقال ابن الصلاح : بفتح الشين غلط ، وإنما هو بالإسكان . وكذا قال البرماوي : بالسكون . لأنه إما من الحشو ، لأنهم يقولون بوجود الحشو الذي لا معنى له في كلام المعصوم ، أو لقولهم بالتجسيم ونحو ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية