بحسب تعدد صوره بالنوع إذا كان له صور اتفاقا ، كتعليل قتل زيد بردته ، وقتل عمرو بالقصاص ، وقتل بكر بالزنا ، وقتل خالد بترك الصلاة ( ويجوز تعليل حكم ) واحد ( بعلل ) متعددة ( كل صورة بعلة ) ، ( وبعلل مستقلة ) على الصحيح ، كتعليل تحريم وطء هند - مثلا - بحيضها وإحرامها وواجب صومها ، وكتعليل نقض الطهارة بخروج شيء من فرج ، وزوال عقل ومس فرج . فإن كل واحد من المتعددين يثبت الحكم مستقلا . وإنما كان كذلك لأن العلة الشرعية بمعنى المعرف ، ولا يمتنع تعدد المعرف ; لأن من شأن كل واحد أن يعرف ، لا الذي وجد به [ ص: 498 ] التعريف ، حتى تكون الواحدة إذا عرفت فلا تعرف الأخرى ; لأنه تحصيل الحاصل ، وهذا قول أصحابنا . ( و يجوز تعليل صورة ) واحدة ( بعلتين )
قال بعضهم : ويقتضيه قول في خنزير ميت وغيره . وذكره أحمد عن جمهور الفقهاء والأصوليين . والقول الثاني : أنه غير جائز ، وما ذكروا من الوقوع يعود إلى القسم الأول فقط ، وهو أن المعلل بها واحد بالنوع . وأما الشخص فمتعذر ، فالقتل بأسباب أشخاص القتل متعددة والنوع واحد في المحل الواحد . فأما القتل في صورة واحدة فمحال تعدده ، إذ هو إزهاق الروح ، وكذلك أسباب الحدث : إنما هي أحداث في محل ، لا حدث واحد . ابن عقيل
والقول الثالث : إن ذلك جائز في العلة المنصوصة دون المستنبطة ; لأن المنصوصة دل الشرع على تعددها ، فكانت أمارات . وأما المستنبطة : فما فائدة استخراجها علة ؟ إلا أنه لا علة غيرها تتخيل . وجوابه : أنها إذا كانت أمارات فاستنبطت متعددة فلا فرق .
والقول الرابع : إن ذلك [ جائز ] في العلة المستنبطة دون المنصوصة ، عكس الذي قبله . والقول الخامس : إن المتعدد جائز عقلا وممتنع شرعا ، على معنى أنه لم يقع في الشرع ، لا على معنى أن الشرع دل على منعه . والقول السادس : جواز التعليل بعلتين متعاقبتين ، بأن يعلل بإحداهما في وقت والأخرى في وقت آخر . ولا يجوز التعليل بعلتين فأكثر في حالة واحدة . واستدل للقول الأول - وهو الصحيح - بأن وقوعه في الخارج دليل جوازه ، وقد وقع . فللحدث علل مستقلة كالبول والغائط والمذي ، وكذا للقتل للقتل وغيره ، واعترض الآمدي بأن الحكم أيضا متعدد شخصا متحد نوعا .
ولهذا ينتفي القتل بالردة قبل أن يقتص منه بإسلامه . ويبقى القصاص ، وينتفي القتل بالقصاص قبل إسلامه بعفو الولي ، ويبقى القتل بالردة ، وإباحة القتل بجهة القصاص حق للآدمي ، وبجهة الردة حق لله تعالى . ولا يتصور ذلك في شيء واحد . ويقدم الآدمي في الاستيفاء . وقاله قبله أبو المعالي . واختاره بعض أصحابنا . قال : وعليه نص الأئمة ، كقول في بعض ما ذكره هذا ، مثل : خنزير ميت حرام من [ ص: 499 ] وجهين ، فأثبت تحريمين ، وحل الدم متعدد لكن ضاق المحل ، ولهذا يزول واحد ، ويبقى الآخر . ولو اتحد الحل بقي بعض حل ، فلا يبيح . وقول الفقهاء : وتتداخل هذه الأحكام ، هو دليل تعددها ، وإلا فالشيء الواحد لا يعقل فيه تداخل . قال : وقول أحمد أبي بكر من أصحابنا في مسألة الأحداث : إذا نوى أحدها ارتفع وحده ، يقتضي ذلك . والأشهر لنا وللشافعية : يرتفع الجميع . وقاله المالكية ، وذلك بأن الشيء لا يتعدد في نفسه بتعدد إضافاته ، وإلا غاير حدث البول حدث الغائط ، وتعدده باختلاف الأحكام المتعلقة ، فدعوى خاصيته لا يفيده . وأيضا فالعلة دليل ، فجاز تعددها كبقية الأدلة ( و ) على الجواز ف ( كل واحدة ) من العلل ( علة ) كاملة ( لا جزء علة ) عند الأكثر . وعند : جزء علة . وقيل : العلة إحداها لا بعينها . واستدل للأول بأنه ثبت استقلال كل منها منفردة . وأيضا لو لم تكن كل واحدة علة لامتنع اجتماع الأدلة ; لأن العلل أدلة . ابن عقيل
( و ) ، بمعنى الأمارة اتفاقا ; لأن العلة إن فسرت بالمعرف ، فجوازه ظاهر ; إذ لا يمتنع عقلا ولا شرعا نصب أمارة واحدة على حكمين مختلفين . بل قال يجوز تعليل ( حكمين بعلة ) واحدة الآمدي : لا نعرف في ذلك خلافا ، كما لو قال الشارع : جعلت طلوع الهلال أمارة على وجوب الصوم والصلاة ، أو طلوع فجر رمضان أمارة لوجوب الإمساك وصلاة الصبح . وسواء كان ذلك في الإثبات أو في النفي . وإلى ذلك أشير بقوله ( إثبانا ونفيا ) فمن الإثبات : السرقة ; فإنها علة في القطع لمناسبة زجر السارق ، حتى لا يعود ، وفي غرامة المال المسروق لصاحبه لمناسبته لجبره .
ومن العلة في النفي : الحيض ، فإنه علة لمنع الصلاة والطواف وقراءة القرآن ومس المصحف وغير ذلك لمناسبته للمنع من كل ذلك . ولا يعد في مناسبة وصف واحد لعدد من الأحكام . وذهب جمع يسير إلى المنع من ذلك . قالوا : لما فيه من تحصيل الحاصل ; لأن الحكمة التي اشتمل عليها الوصف استوفاه أحد الحكمين . ورد بأنه يتوقف المقصود عليهما ، فلا يحصل جميعها إلا بهما ، أو [ ص: 500 ] يحصل للحكم الثاني حكمة أخرى فتتعدد الحكمة ، والوصف ضابط لأحدهما .
ويدخل في إطلاقهم جواز تعليل حكمين بعلة واحدة لو كان بين الحكمين تضاد ، ولكن بشرطين متضادين ، كالجسم يكون علة للسكون بشرط البقاء في الحيز ، وعلة للحركة بشرط الانتقال عنه . وإنما اعتبر فيه الشرطان ; لأنه لا يمكن اقتضاء العلة لهما بدون ذلك ; لئلا يلزم اجتماع الضدين وهو محال . وإنما شرط التضاد في الشرطين ; لأنه لو أمكن اجتماعهما ، كالبقاء في الحيز مع الانتقال مثلا ، فعند حصول ذينك الشرطين إن حصل الحكمان - أعني السكون والحركة - لزم اجتماع الضدين ، وإن حصل أحدهما دون الآخر : لزم الترجيح بلا مرجح ، وإن حصل واحد منهما خرجت العلة عن أن تكون علة ، فتعين التضاد في الشرطين . قاله البرماوي . وفي المسألة قول ثالث مفصل ، وهو الجواز إن لم يتضادا ، كالحيض لتحريم الصلاة والصوم ، والمنع إن تضادا ، كأن يكون مبطلا لبعض العقود مصححا لبعضها ، كالتأبيد يصحح البيع ويبطل الإجارة .