( في قول ) اختاره الكثير من أصحابنا وبعض المالكية والشافعية . وقاله ( وفعله تعالى ) وتقدس ( وأمره لا لعلة ولا لحكمة ) الظاهرية والأشعرية والجهمية . والقول الثاني : أنهما لعلة وحكمة . اختاره الطوفي ، والشيخ تقي الدين ، وابن القيم ، وابن قاضي الجبل . وحكاه عن إجماع السلف ، وهو مذهب الشيعة والمعتزلة ، لكن المعتزلة تقول بوجوب الصلاح . ولهم في الأصلح قولان . والمخالفون لهم يقولون بالتعليل ، لا على منهج المعتزلة . وجوزت طائفة الأمرين . قال الشيخ تقي الدين : لأهل السنة في تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه قولان ، والأكثرون على التعليل والحكمة : هل هي منفصلة عن الرب تعالى لا تقوم به ، أو قائمة [ به ] مع ثبوت الحكم المنفصل أيضا ؟ لهم فيه قولان .
وهل تتسلسل الحكم أو لا تتسلسل ؟ أو تتسلسل في المستقبل دون الماضي ؟ فيه أقوال . احتج المثبتون للحكمة والعلة بقوله تعالى ( { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل } ) وقوله تعالى ( { كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم } ) وقوله تعالى ( { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم } ) ونظائرها ، ولأنه سبحانه وتعالى حكيم ، شرع الأحكام لحكمة ومصلحة لقوله تعالى ( { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ) والإجماع واقع على اشتمال الأفعال على الحكم والمصالح إما وجوبا كقول المعتزلة ، وإما جوازا كقول أهل السنة فيفعل ما يريد بحكمته . واحتج النافون بوجوه ، أحدها : ما قال الرازي : إن العلة إن كانت قديمة لزم من قدمها قدم الفعل ، وهو محال ، وإن كانت محدثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل . وهو مراد المشايخ بقولهم : كل شيء صنعه ، ولا علة لصنعه .
وأجيب بأن قوله : لو كانت قديمة لزم قدم الفعل : غير مسلم ، إذ لا يلزم من قدمها قدم المعلول . كالإرادة قديمة ومتعلقها [ ص: 100 ] حادث . ولو كانت حادثة لم تفتقر إلى علة أخرى وإنما يلزم لو قيل : كل حادث مفتقر إلى علة . وهم لم يقولوا ذلك . بل قالوا : يفعل لحكمة فإنه لا يلزم من كون الأول مرادا لغيره كون الثاني كذلك وإن كان الثاني [ محدثا ] لم يجب أن يكون الأول كذلك فلا يتسلسل . الوجه الثاني من أوجه النفات : أن كل من فعل فعلا لأجل تحصيل مصلحة ، أو دفع مفسدة . فإن كان تحصيل تلك المصلحة أولى له من عدم تحصيلها كان ذلك الفاعل قد استفاد بذلك الفعل تحصيل تلك الأولوية . وكل من كان كذلك ، كان ناقصا بذاته ، مستكملا بغيره ، وهو في حق الله سبحانه وتعالى محال ، وإن كان تحصيلها وعدمه سواء بالنسبة إليه ، فمع الاستواء لا يحصل الرجحان . فامتنع الترجيح . وأجيب بمنع الحصر ، وبالنقص بالأفعال المتعدية .
كإيجاد العلم . فإن قالوا بخلوه عن النقص . قيل : كذا في التعليل نمنع كونه ناقصا في ذاته ، ومستكملا بغيره في ذاته أو صفات ذاته ، بل اللازم حصول كمالات ناشئة من ، جهة الفعل ، ولا امتناع فيه . فإن كونه محسنا إلى الممكنات من جملة صفات الكمال . وكذا الكمال في كونه خالقا ورازقا على مذهب الأشعري .
الوجه الثالث من أوجه النفات : أنه لو فعل فعلا لغرض . فإن كان قادرا على تحصيله بدون ذلك الفعل . كان توسطه عبثا . وإلا لزم العجز ، وهو ممتنع ، ولأن ذلك الغرض مشروط بتلك الوسيلة ، لكنه باطل ، لأن أكثر الأغراض إنما تحصل بعد انقضاء تلك الوسائل ، فيمتنع اشتراطه .
وأجيب بأن إطلاق الغرض لا يجوز ، لما يوهمه عرفا وليعدل عنه إلى لفظ العلة فيقال : لا نسلم لزوم العبث ، لأن العبث الخالي عن الفائدة والقدرة على الفعل بدون توسط السبب لا يقتضي عبث الفعل وإلا لزم أن تكون الشرعيات عبثا ; لأن الله تعالى قادر على إيصال ما حصلت لأجله من إيصال الثواب بدون توسطها .
وقولهم : " إن لم يقدر على تحصيله لزم العجز " ممنوع ; لأنه إنما يلزم لو أمكن تحصيل ما شرع لأجله بدون الفعل ، وبأن إمكان تحصيله بدون العجز دور