جواز إطلاق الأخ على الرسل
وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظة: «الأخ» على الرسل، والأنبياء؛ بناء على المثلية في البشرية، والصحبة، خلافا لمن يزعم أن في ذلك استخفافا لهم، وتدفعه هذه الآية.
وهي عاد الأولى، وعاد الثانية قوم صالح.
وكان بينه وبين نوح ثمانمائة سنة، وعاش أربع مائة وأربعا وستين سنة. وكانت مثل الذر. «عاد» ما بين اليمن والشام
وقيل: كانت منازلهم بالأحقاف باليمن، والأحقاف: الرمل الذي عند «عمان»، و«حضرموت».
وكان الرجل من «عاد» ستين ذراعا بذراعهم، وقيل: كانوا اثني عشر ذراعا طولا.
وقال كان الرجل منهم ثمانين ذراعا. ابن عباس:
قيل: وكانت هامة الرجل مثل القبة العظيمة. [ ص: 31 ]
فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ، أي: تخافون ما نزل بكم من العذاب إلى قوله: قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين [الأعراف: 70].
قال أهل العلم: هذا داخل في جملة ما استنكروه، وهكذا يقول المقلدة لأهل الاتباع، والمبتدعة لأهل السنة، كأنهم هم.
وقال تعالى: وإلى ثمود أخاهم صالحا [الأعراف:73]، وكان أخاهم في النسب لا في الدين، وبينه وبين هود مائة سنة.
وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وما حوله، وعاش صالح مائتين وثمانين سنة.
قال: يا قوم اعبدوا الله ؛ أي: وحدوه، ولا تشركوا به شيئا ما لكم من إله غيره يستحق أن يعبد سواه.
وقال تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا [الأعراف:85].
عن عكرمة، قالا: ما بعث الله نبيا مرتين إلا والسدي، شعيبا مرة إلى مدين، فأخذتهم الصيحة، ومرة إلى أصحاب الأيكة، فأخذهم الله بعذاب الظلة.
وكان شعيب أعمى، وكان قومه أهل كفر، وبخس في المكيال، والميزان. [ ص: 32 ]
قال: يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره فيه دعاية إلى التوحيد، وتنبيه لهم على ذلك.
وقال تعالى: قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة [الأعراف:138].
قال لم يكن ذلك شكا من بني إسرائيل في توحيد الله، وإنما المعنى: اجعل لنا شيئا تعظمه، ونتقرب بتعظيمه إلى الله، وظنوا أن ذلك لا يضر، وفيه بعد. وقيل: إنهم توهموا أنه يجوز عبادة غير الله، فحملهم جهلهم على ما أتوا. البغوي:
قال ؛ أي: موسى: إنكم قوم تجهلون ، وصفهم بالجهل؛ لأنهم قد شاهدوا من آيات الله ما يزجر من له أدنى علم عن طلب عبادة غير الله، ولكن هؤلاء القوم -أعني: بني إسرائيل- أشد خلق الله عنادا وجهلا، إلى قوله: قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين [الأعراف: 140] من أهل عصركم.
وقال تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون [التوبة: 31].
أي: ما أمروا في الكتب القديمة المنزلة عليهم على ألسنة أنبيائهم إلا بعبادة الله وحده.
وفيه ما يزجر من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد عن وتأثير ما يقوله الأسلاف من العلماء، والمشايخ، والأساتذة، والكبراء، على ما في الكتاب العزيز، والسنة المطهرة. التقليد في دين الله،
فإن طاعة المتمذهب لمن يقتدي بقوله، ويستن بسنته من علماء هذه الأمة [ ص: 33 ] وأئمتها وشيوخها، مع مخالفته لما جاءت به النصوص، وقامت به حجج الله، وبراهينه، ونطقت به كتبه، وأنبياؤه، كاتخاذ اليهود والنصارى الأحبار والرهبان أربابا من دون الله، للقطع بأنهم لم يعبدوهم، بل أطاعوهم، وحرموا ما حرموا، وحللوا ما حللوا.
وهذا صنيع المقلدين للأئمة المجتهدين من هذه الأمة، وهو أشبه به، شبه البيضة بالبيضة، والتمرة بالتمرة، والماء بالماء، والكلام على هذا يطول جدا، وسيأتي بعضه في هذا الكتاب في موضعه -إن شاء الله تعالى-.
والمراد هنا: بيان أن التوحيد هو المأمور به، والشرك هو المنهي عنه.
وفيه أن التقليد نوع من أنواعه -أعاذنا الله منه-.
وقال تعالى: فإن تولوا [التوبة: 129]. أي: أعرضوا عنك، ولم يعملوا بما جئت به، ولا قبلوه فقل يا محمد -صلى الله عليه وسلم-: حسبي الله ؛ أي: كافي لا إله إلا هو ؛ أي: المتفرد بالألوهية عليه توكلت ؛ أي: فوضت جميع أموري إليه، لا إلى غيره وهو رب العرش العظيم فيه بيان التوحيد، والثقة بالله تعالى.
وقال تعالى: وإلى عاد أخاهم هودا [هود:50]؛ أي: واحدا منهم في النسب، لا في الدين، وكانوا عبدة أوثان، وقد تقدم مثل ذلك، وتقدم الكلام عليه.
قال يا قوم اعبدوا الله ؛ أي: وحدوه، ولا تشركوا معه شيئا في العبادة ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ؛ أي: كاذبون على الله بالشرك.
وفيه الإرشاد إلى عبادة الله وحده، وأنه لا إله لكم سواه.
وقال تعالى: وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [الأعراف:73] وتقدم الكلام عليه.
وقال تعالى: وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره [الأعراف: 85]. [ ص: 34 ]
لما كانت الدعوة إلى توحيد الله، وعبادته أهم الأشياء، دعاهم إليه، وقد تقدم الكلام على ذلك.
وقال تعالى: يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار [يوسف: 39].
استفهام إنكار مع التوبيخ، والتقريع.
أورد «يوسف» -عليه السلام- هذه الحجة القاهرة على طريق الاستفهام؟ لأنهما كانا ممن يعبد الأصنام.
ما تعبدون من دونه إلا أسماء فارغة لا مسميات لها، وهي الآلهة التي تعبدونها من دون الله.
وقيل: خطاب لأهل السجن جميعا، لا لخصوص الصاحبين، وهذا هو الأظهر، وكذلك ما بعده من الضمائر.
سميتموها أنتم وآباؤكم من تلقائكم بمحض جهلكم، وضلالتكم، ليس لها من الآلهة شيء، إلا بمجرد الأسماء ولكونها جمادات لا تسمع، ولا تبصر، ولا تنفع، ولا تضر.
ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم في العبادة المتفرعة على تلك التسمية إلا لله -عز سلطانه-؛ لأنه المستحق لها بالذات أمر ألا تعبدوا إلا إياه حسبما تقتضيه قضية العقل أيضا.
بين أن عبادته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره.
ذلك الدين القيم ؛ أي: المستقيم الثابت العدل، الذي تعاضدت عليه البراهين عقلا، ونقلا.
ولكن أكثر الناس لا يعلمون ؛ لجهلهم، وبعدهم عن الحقائق، أولا يعلمون ما يصيرون إليه من العذاب، فيشركون.
قال أهل العلم: وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وإن جهل العبد إذا أمكن له العلم بطريقة.
[ ص: 35 ] وقال تعالى: قل يا محمد صلى الله عليه وسلم: هو ربي لا إله إلا هو [الرعد: 30]. أي: لا يستحق العبادة له، والإيمان به سواه.
عليه توكلت وإليه متاب ؛ أي: توبتي.
فيه تعريض بالكفار، وحث على الرجوع إلى الله، والتوبة من الكفر والشرك، والدخول في التوحيد والإسلام.
وقال تعالى: قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به [الرعد:36] بوجه من الوجوه الظاهرة، والخفية.
وهذا أمر اتفقت الشرائع عليه، وتطابقت على عدم إنكاره جميع الملل المقتدية بالرسل.
إليه أدعو ؛ أي: إلى الله وحده لا إلى غيره.
وإليه مآب ؛ أي: مرجعي يوم القيامة للجزاء.
وقال تعالى: وبرزوا لله الواحد القهار [إبراهيم: 48] أي: ظهروا من قبورهم ليستوفوا جزاء أعمالهم، الله المتفرد بالألوهية، والوحدانية، الكثير القهر لمن عانده.
وقال تعالى: هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد [إبراهيم:52] لا شريك له.
وليذكر أولو الألباب ؛ أي: أصحاب العقول السليمة، والأفهام الصحيحة.
وقال تعالى: أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون [النحل: 22] أي: مروهم بتوحيدي، وأعلموهم ذلك مع تخويفهم؛ لأن في الإنذار تخويفا، وتهديدا، أو هو تحذير لهم من الشرك بالله.
وقال تعالى: وإلهكم إله واحد [النمل: 22] صرح بما هو الحق في نفس الأمر، وهو وحدانيته سبحانه وتعالى.
[ ص: 36 ] وقال تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين [النمل:51] فيه رد على من يقول بإلهين، ويعبدهما من دون الله.
إنما هو إله واحد في ذاته، وصفاته.
فإياي فارهبون ؛ أي: إن كنتم راهبين شيئا فارهبوني لا غيري، فالتركيب أفاد الحصر.
وقال تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [الإسراء: 30]. أي: أمر أمرا جزما، وحكما قطعا، وحتما مبرما.
وقرأ «ووصى» مكان: «وقضى». ابن عباس:
وقال تعالى: هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا [الكهف: 38].
فيه إقرار بالوحدانية، وإنكار على الشرك إلى قوله: يا ليتني لم أشرك بربي أحدا .
وقال: وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا [الإسراء: 111].
فيه نفي الشرك، وإثبات التوحيد.
وقال تعالى: له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا [الكهف: 26].
فيه إثبات توحيد الربوبية ونفي الإشراك.
وقال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم [الكهف: 110] أي: آدمي، حالي مقصور على البشرية، لا يتخطاها إلى الإلهية، ولا إلى الملكية.
يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد لا شريك له في الألوهية والملك، وفي هذا إرشاد إلى التوحيد.
فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا من خلقه سواء كان صالحا، أو طالحا، حيوانا، أو جمادا.
قال أهل العلم: دخول الشرك الجلي الذي كان يفعله المشركون تحت هذه [ ص: 37 ] الآية هو المقدم على دخول الشرك الخفي الذي هو الرياء.
ولا مانع من دخول الخفي تحتها، إنما المانع من كونه هو المراد بهذه الآية.
وبالجملة: فيه الإرشاد إلى العمل الصالح، وهو التوحيد المبني على الإسلام، والنهي عن الشرك بالله شيئا كائنا ما كان.
قال تعالى: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى [طه: 8]؛ أي: لا إله في الوجود إلا هو، وهو المستحق لها، وهي التسعة والتسعون التي ورد الحديث الصحيح بها.
وقال تعالى: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني [طه: 14] لأن اختصاص الإلهية به سبحانه موجب لتخصيصه بالعبادة.
وقال تعالى: إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما [طه:98]؛ أي: وسع علمه كل شيء، وصفة علمه سبحانه إمام أئمة الصفات.