الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو اشترى عبدا بالخيار ثلاثا فرهنه قبلها فجائز وهو قطع لخياره وإيجاب للبيع في العبد ، وإن كان الخيار للبائع أو للبائع والمشتري فرهنه قبل الثلاث فتم له ملكه بعد الثلاث فالرهن مفسوخ لأنه انعقد وملكه على العبد غير تام " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح .

                                                                                                                                            [ ص: 80 ] وجملة الخيار المستحق في المبيع على ثلاثة أضرب : خيار مجلس ، وخيار شرط ، وخيار عيب .

                                                                                                                                            فأما الضرب الأول وهو : خيار المجلس ، فهو مستحق للبائع والمشتري ، فإن رهنه البائع صح رهنه وكان فسخا للبيع ، وإن رهنه المشتري لم يجز إلا أن يكون رهنه عن إذن البائع فيصح رهن المشتري : لأن إذن البائع إمضاء ، ورهن المشتري إمضاء ، وإذا اتفق المتبايعان على الإمضاء في خيار المجلس تم البيع وسقط الخيار .

                                                                                                                                            فأما أن يرهنه المشتري من غير إذن البائع فلا يجوز ، وإنما جاز رهن البائع بغير إذن المشتري ، ولم يجز رهن المشتري بغير إذن البائع : لأن رهن البائع فسخ ، ورهن المشتري إمضاء ، والخيار موضوع للفسخ دون الإمضاء ، ألا ترى لو فسخ أحدهما وأمضى الآخر حكم بالفسخ دون الإمضاء .

                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثاني وهو خيار الشرط ، فهو على ثلاثة أضرب : أحدها : أن يكون للبائع دون المشتري .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون للمشتري دون البائع .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون لهما جميعا .

                                                                                                                                            فإن كان الخيار مشروطا للبائع دون المشتري ، فإن رهنه البائع صح رهنه وكان فسخا للبيع ، وإن رهنه المشتري لم يجز وكان رهنا باطلا ، لحق البائع من الخيار إلا أن يكون المشتري قد رهنه بأمر البائع فيصح الرهن ، ويكون إذن البائع اختيارا لإمضاء البيع وقطع الخيار .

                                                                                                                                            وإن كان الخيار مشروطا للمشتري دون البائع فإن رهنه المشتري صح رهنه وكان اختيارا منه لإمضاء البيع وقطع الخيار .

                                                                                                                                            وإن رهنه البائع لم يجز ، وكان رهنه باطلا ، لأنه لازم من جهته وإن كان الخيار ثابتا لغيره إلا أن يرهنه البائع بإذن المشتري فيصح رهنه وينفسخ البيع ، ويكون إذن المشتري اختيارا لفسخ البيع .

                                                                                                                                            وإن كان الخيار مشروطا لهما جميعا ، فإن رهنه البائع صح رهنه وكان فسخا للبيع .

                                                                                                                                            [ ص: 81 ] وإن رهنه المشتري لم يجز إلا أن يكون بإذن البائع فيصح رهنه ، ويكون إذن البائع اختيارا لإمضاء البيع .

                                                                                                                                            وإنما صح رهن البائع ، دون المشتري وإن كان الخيار لهما لما ذكرنا من أن رهن البائع فسخ ورهن المشتري إمضاء .

                                                                                                                                            فلو كان للبائع خيار يوم وللمشتري خيار يومين ، فإن رهنه البائع في اليوم الأول جاز ، وإن رهنه المشتري لم يجز .

                                                                                                                                            وإن رهنه المشتري في اليوم الثاني جاز ، وإن رهنه البائع لم يجز .

                                                                                                                                            وأما الضرب الثالث وهو خيار العيب ، فهو مستحق للمشتري دون البائع ، فإن رهنه المشتري صح رهنه ، وكان رضا بالعيب ، ومانعا من الرد والرجوع بالأرش .

                                                                                                                                            وإن رهنه البائع لم يجز لأنه لازم من جهته وإن ثبت فيه خيار لغيره ، فلو رد على البائع بالعيب بعد أن رهنه لم يصح رهنه إلا باستئناف عقد صحيح كما لو رهنه المشتري في خيار البائع كان رهنا باطلا وإن تم ملكه عليه .

                                                                                                                                            فلو لم يعلم المشتري بالعيب حتى رهنه ثم علم به صح رهنه ولم يكن له رده ما كان باقيا ، وفيما يستحقه بالعيب وجهان مضيا في البيوع :

                                                                                                                                            أحدهما : يستحق الأرش في الحال .

                                                                                                                                            والثاني : ينتظر ما يكون من حاله في الرهن فإن بيع فيه رجع بالأرش وإن فكه من الرهن رده بالعيب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية