الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أقر المرتهن أنه أذن له بوطئها وزعم أن هذا الولد من زوج لها وادعاه الراهن فهو ابنه وهي أم ولد له ولا يصدق المرتهن ، وفي الأصل ولا يمين عليه ( قال المزني ) أصل قول الشافعي أنه إن أعتقها أو أحبلها وهي رهن فسواء فإن كان موسرا أخذت منه القيمة وكانت رهنا مكانها أو قصاصا ، وإن كان معسرا لم يكن له إبطال الرهن بالعتق ولا بالإحبال وبيعت في الرهن فلما جعلها الشافعي أم ولد لأنه أحبلها بإذن المرتهن ولم تبع كأنه أحبلها وليست رهنا فكذلك إذا كان موسرا لم تكن عليه قيمة لأنه أحبلها بإذن المرتهن فلا تباع كأنه أحبلها وليست برهن فتفهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها : أن يقر المرتهن للراهن بالإذن في وطئها على وجه يلحق به الولد لو لم ينكره وتخرج أمه من الرهن وذلك بأربعة شروط :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعترف المرتهن أنه قد أذن له في وطئها .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعترف المرتهن أنه وطئها .

                                                                                                                                            والثالث : أن يعترف أنها وضعته وأنه منها لم تلتقطه .

                                                                                                                                            والرابع : أن يعترف أن بين وطئه ووضعها مدة يمكن أن يكون منه وهي ستة أشهر فصاعدا .

                                                                                                                                            فإذا اعترف المرتهن للراهن بهذه الأربعة ثم قال : وهذا الولد ليس منك ، وإنما هو من زوج كان لها ، أو من زنا ، وقال الراهن : بل هو مني والجارية أم ولدي خارجة من الرهن ، [ ص: 61 ] فالقول قول الراهن : لأنها قد صارت فراشا والأمة إذا صارت فراشا لحق به ولدها إذا كان لحوقه به ممكنا ، ولا يمين على الراهن لأنه لو نفاه لم ينتف ، وإذا لم يقبل قوله في نفيه لم يكن عليه يمين في ادعائه .

                                                                                                                                            فإذا ثبت أن القول قول الراهن بلا يمين فالولد حر لاحق به والجارية قد صارت أم ولد له وقد خرجت من الرهن ولا قيمة عليه في اليسار والإعسار .

                                                                                                                                            فصل : فأما إذا أنكر المرتهن أحد الشروط الأربعة ، فإن كان إنكاره للشرط الأول وهو الإذن فيقول الراهن للمرتهن : أذنت لي في وطئها ويقول المرتهن : لم آذن ، فالقول قول المرتهن مع يمينه والولد لاحق بالراهن بإقراره .

                                                                                                                                            وإن كان إنكاره للشرط الثاني وهو الوطء ، فيقول الراهن : وطئتها بإذنك ويقول المرتهن : لم تطأ ، ففيه وجهان ذكرهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القول قول المرتهن ولا يمين عليه : لأن الوطأ فعله وإقامة البينة عليه غير ممكن ، والوجه الثاني : أن القول قول المرتهن مع يمينه ، لأنه إذا لم يقر بالوطء فهو بمنزلة من لم يقر بالإذن ، فكان القول قوله مع يمينه ، والولد لاحق بالراهن بإقراره .

                                                                                                                                            وإن كان إنكاره للشرط الثالث وهو الوضع ، فيقول المرتهن : قد أذنت لك في وطئها فوطئها ولكن كان إنكاره الولد أنها لم تضعه ولكن التقطته ، ويقول الراهن بل وضعته فالقول قول المرتهن مع يمينه ، والولد لاحق بالراهن بإقراره .

                                                                                                                                            وإن كان إنكاره للشرط الرابع وهو المدة ، فيقول المرتهن : وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الإذن ، فالجارية رهن ، ويقول الراهن : وضعته لستة أشهر فأكثر .

                                                                                                                                            فهذا الاختلاف في زمان الوطء فيكون على وجهين كما لو اختلفا في الوطء : أحدهما : أن القول قول المرتهن ولا يمين عليه .

                                                                                                                                            والثاني : أن القول قول المرتهن مع يمينه ، والولد لاحق بالراهن لإقراره .

                                                                                                                                            فصل : فأما المزني فإنه نقل عن الشافعي بعد هذه المسألة أنه قال : إذا كان الراهن معسرا فأما إذا كان موسرا فتؤخذ قيمة الجارية ويكون رهنا مكانها أو قصاصا .

                                                                                                                                            ثم إن المزني اعترض على الشافعي في هذا فقال : كيف نلزمه قيمتها إذا كان موسرا وهو إنما أحبلها بإذن فوجب ألا تلزمه قيمة في اليسار ولا في الإعسار .

                                                                                                                                            [ ص: 62 ] فيقال للمزني : الأمر على ما ذكرته ولا تلزم الراهن في هذه المسألة قيمتها إذا جعلنا القول قوله سواء كان موسرا أو معسرا ، لأنه فعل ذلك بإذن المرتهن ، ولكن الشافعي قال ذلك في المسألة التي قبلها إذا اختلفا في الإذن فيكون القول قول المرتهن ، ويلزم الراهن قيمتها إذا كان موسرا في أحد القولين فنقلته أنت أيها المزني من المسألة الأولى إلى المسألة الثانية ، وقد ذكره الشافعي في الأم صحيحا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية