الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو قال رجل لرجلين رهنتماني عبدكما هذا بمائة وقبضته منكما فصدقه أحدهما وكذبه الآخر كان نصفه رهنا بخمسين ونصفه خارجا من الرهن ، فإن شهد شريك صاحب نصف العبد عليه بدعوى المرتهن وكان عدلا حلف المرتهن معه وكان نصيبه منه رهنا بخمسين ولا معنى في شهادته نردها به " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا ادعى رجل على رجلين أنهما رهناه عبدهما سالما بمائة درهم له عليهما لم يخل حالهما في الدعوى من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يصدقاه عليه فيصير العبد رهنا لهما عنده على مائة درهم عليهما له فيكون نصف العبد لكل واحد منهما رهنا على خمسين درهما ، فإذا قضاه أحدهما ما عليه خرج نصف العبد من الرهن .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكذباه عليها ، فالقول قولهما مع أيمانهما ، فإذا حلفا لم يكن العبد رهنا ، فإن كانا يعترفان بالحق وينكران الرهن كان الحق عليهما بلا رهن ، وإن كانا ينكران الحق فلا شيء عليهما ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ، بدأ الحالف بيمينه وردت يمين الناكل على المدعي ، فإذا حلف حكم له بدعواه ، وإن نكلا معا ردت يمينهما على المدعي ، فيحلف لكل واحد منهما يمينا ، فإذا حلف لهما حكم عليهما بدعواه ، وكان العبد رهنا بما ادعاه .

                                                                                                                                            [ ص: 197 ] والحال الثالثة : وهي مسألة الكتاب ، أن يصدقه أحدهما ويكذبه الآخر ، فتكون حصة المصدق منهما وهي نصف العبد رهنا على خمسين ، وعلى المكذب اليمين ، فإن حلف ، كانت حصته خارجة من الرهن ، وإن نكل المكذب ردت يمينه على المدعي ، فإذا حلف حكم له بدعواه وصار جميع العبد رهنا بمائة ، نصفه بتصديق أحدهما بخمسين ، ونصفه الآخر بيمين المدعي بعد نكول المكذب منهما رهن بخمسين ، فأيهما قضاه خمسين خرجت حصته من الرهن وهي نصف العبد ، وكانت حصة الآخر باقية من الرهن ، فلو كان المصدق من الشريكين عدلا جاز أن يشهد على شريكه المكذب ، لأنها شهادة لا تجر له نفعا ولا تدفع عنه ضررا ، فلم يكن لرد شهادته معنى ، فإن شهد معه عدل آخر أو امرأتان أو حلف معه المدعي فقد كملت البينة على المكذب وصار جميع العبد رهنا لهما عنده على مائة نصفه بالتصديق ونصفه بالبينة .

                                                                                                                                            فصل : فلو ادعى رجلان على رجل أنه رهنهما عبده على مائة لهما عليه ، فصدق أحدهما دون الآخر ، كان نصفه رهنا عند المصدق وحلف المكذب ، فلو أراد المصدق وهو عدل أن يشهد لصاحبه على المنكر لم يجز إذا كانا شريكين : لأنه يجر بشهادته نفعا إلى نفسه : لأنه يشهد لشريكه ، وفي المسألة الأولى يشهد على شريكه .

                                                                                                                                            فصل : فلو ادعى رجلان على رجلين في عبد بينهما أنهما رهناهما عبدهما على مائة درهم لهما فصدقا أحد المدعيين كان نصف العبد رهنا عند المصدق منهما على خمسين درهما لكل واحد منهما ربعه رهنا على خمسة وعشرين درهما ، وعلى الراهنين أن يحلفا للمكذب من المرتهنين ، فإن حلفا كان نصفه بينهما خارجا من الرهن .

                                                                                                                                            فلو كان المصدق من المرتهنين عدلا جاز أن يشهد للمرتهن المكذب على الراهنين ، لأن شهادته لا تجر إليه نفعا ، ولا تدفع عنه ضررا ، فإذا شهد حلف معه المرتهن المكذب وصار جميع العبد رهنا عندهما على مائة درهم ، نصفه عند المرتهن المصدق رهن على خمسين درهما بتصديق الراهنين ونصفه عند المرتهن المكذب رهن على خمسين درهما لقيام البينة على الراهنين ، فلو صدق أحد الراهنين المرتهنين معا ، وكذب الراهن الآخر المرتهنين معا كان نصف العبد وهي حصة المصدق من الراهنين رهنا عند المرتهنين على خمسين درهما عند كل واحد منهما ربعه رهن على خمسة وعشرين درهما ، والنصف الثاني من العبد وهي حصة المكذب خارجة من الرهن إذا حلف .

                                                                                                                                            فلو صدق أحد الراهنين أحد المرتهنين وكذب المرتهن الآخر ، وكذب الراهن الآخر المرتهنين معا كان ربع العبد وهي نصف حصة الراهن المصدق رهنا عند المصدق من [ ص: 198 ] المرتهنين على خمسة وعشرين درهما وثلاثة أرباع العبد خارجة من الرهن نصفه لمكذب المرتهنين وربعه لمكذب أحد المرتهنين .

                                                                                                                                            فلو صدق أحد الراهنين أحد المرتهنين وصدق الراهن الآخر المرتهن الآخر ، وكذب كل واحد من الراهنين من صدقه صاحبه كان نصف نصيب كل واحد منهما وهو الربع رهنا عند من صدقه على خمسة وعشرين درهما ، ويحلف كل واحد منهما لمن كذبه .

                                                                                                                                            فصل : فلو ادعى ثلاثة على ثلاثة في عبد بينهم أنهم رهنوه عندهم على مائة درهم ، فصدقوا أحد الثلاثة كان ثلث العبد رهنا عند المصدق من الثلاثة على ثلث المائة لثلاثة أنفس ، لكل واحد منهم ثلث الثلث ، وهو تسع الرهن عند المصدق على ثلث من المائة ، وهو تسع المائة ، فإذا قضاه أحد الثلاثة ما عليه وهو تسع المائة خرجت حصته من الرهن وهي تسع العبد ، لأن الثلاثة إذا عاقدوا ثلاثة جرى على عقدهم حكم عقود تسعة ، فلو صدق أحد الثلاثة جميع الثلاثة ، كانت حصة المصدق وهي ثلث العبد رهنا عند الثلاثة على ثلث المائة عند كل واحد منهم تسع العبد رهن على تسع المائة .

                                                                                                                                            فصل : فلو ادعى أربعة على أربعة في عبد بينهم أنهم رهنوه عندهم على مائة درهم فصدق جميع الأربعة أحد الأربعة كان العبد رهنا عند المصدق من الأربعة على ربع المائة لأربعة أنفس لكل واحد من الأربعة ربع العبد واحد من ستة عشر رهن في ربع ربع المائة ستة دراهم وربع ، فلو صدق أحد الأربعة جميع الأربعة ، كانت حصة المصدق وهي ربع العبد رهنا عند الأربعة على ربع المائة عند كل واحد منهم ربع ربع العبد واحد من ستة عشر رهن على ربع ربع ستة دراهم وربع .

                                                                                                                                            فصل : فلو ادعى ثلاثة على أربعة في عبد بينهم أنهم رهنوه عندهم على مائة درهم فصدق جميع الأربعة أحد الثلاثة كان ثلث العبد رهنا للأربعة عند المصدق من الثلاثة على ثلث المائة لكل واحد من الأربعة ربع ثلث العبد من اثني عشر رهن على ربع ثلث المائة ثمانية دراهم وثلث .

                                                                                                                                            فلو صدق أحد الأربعة جميع الأربعة كانت حصة المصدق وهي ربع العبد رهنا عند الثلاثة على ربع المائة ، عند كل واحد منهم ثلث ربع العبد واحد من اثني عشر رهن على ثلث المائة ثمانية دراهم وثلث ، فهذه فصول كافية وفروع مقنعة لمن تأملها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية