الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : ( قال المزني ) : " ولو قال المحتال أحلتني عليه لأقبضه لك ولم تحلني بمالي عليك فالقول قوله مع يمينه والمحيل مدع للبراءة مما عليه فعليه البينة .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها بعكس المسألة التي تقدمتها وهو أنهما اختلفا بعد الحوالة المطلقة فقال المحيل أحلتك بمالك علي ، وقال المحتال بل أحلتني لأقبضه لك نيابة عنك وحقي باق في ذمتك ، فعلى مذهب المزني : القول قول المحتال ؛ لأن المحيل مدع للبراءة من حقه فكان القول قول المحتال ، وعلى مذهب ابن سريج القول قول المحيل اعتبارا بظاهر اللفظ ، فإذا تقرر ما ذكرنا من المذهبين ، فإذا قيل بمذهب المزني إن القول قول المحتال لا يخلو حال الحوالة من أن تكون قد قبضت أو لم تقبض ، فإن لم يكن المحتال قبضها لم يجز أن يقبضها من بعد ، [ ص: 428 ] ورجع بحقه على المحيل ، وهل للمحيل أن يرجع بها على المحال عليه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يرجع عليه بها لأنه بادعاء الحوالة معترف بها للمحتال ، فلم يجز أن يرجع بحق قد اعترف به لغيره .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يرجع بها على المحتال عليه ؛ لأن اعترافه بها للمحتال مشروط بسقوط حقه من ذمته فلما لم يسقط من ذمته كان مال الحوالة باقيا على ملكه فيرجع به ، وإن كان المحتال قد قبض الحوالة فلا يخلو من أن تكون باقية ، أو تالفة ، فإن كانت باقية فهي في الحكم على ملك المحيل ، ويقال للمحتال استوف حقك منها ؛ لأن ادعاء المحيل أنه أحاله بها من حقه إذن منه بقبضها من حقه .

                                                                                                                                            وإن كانت تالفة كان تلفها من مال المحيل ، وحق المحتال باق في ذمة المحيل ، وليس للمحيل أن يرجع بالحوالة على المحال عليه : لأنه دفعها بإذنه .

                                                                                                                                            وإذا قيل بمذهب ابن سريج ، إن القول قول المحيل نظر : فإن لم يكن قبض الحوالة فله أن يقبضها الآن ، ولا يكون إنكاره لها من قبل بمانع لقبضها من بعد ، ويصير كالمبتدئ لها بعد الخلاف .

                                                                                                                                            وإن كان قد قبضها فقد استقرت وبرئ المحيل منها ، سواء كانت باقية في يده أو تالفة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية