الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو كان الرهن مما يكال أو يوزن كان للذي افتك نصفه أن يقاسم المرتهن بإذن شريكه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وإنما عطف الشافعي بهذه المسألة على المسألة الأولى ، وهو أن يكون الراهن اثنين والمرتهن واحد ، فينفك حصة أحد الراهنين من الرهنين ، إما بأداء أو إبراء ، فلا يخلو حال الرهن إذا من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون مما لا يقسم جبرا ولا صلحا كالعبد والدابة ، فتكون الحصة الخارجة من الرهن شائعة ، ولمالكها التصرف فيها ، كتصرف الشركاء في المشاع .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون مما يقسم جبرا ، وهو ما تماثل أجزاؤه من الحبوب المكيلة والمائعات الموزونة ، فإذا ادعى الشريك إلى القيمة أجبر الشريك الراهن والمرتهن على مقاسمته ، فإن قسم ذلك بنفسه ، وأخذ من الحملة قدر حصته من غير أن يتقاسمه المرتهن والشريك والراهن ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ذلك لا يجوز ، لأن الملك مشترك بينهما ، فلم يجز أن يتفرد أحدهما بتمليك بعضه ، وعلى هذا يكون ما أخذه بالقسمة بينهما ، وعليه ضمانه ، وما تركه بينهما ، وليس عليه ضمانه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن ذلك جائز ، لأن ما أخذه لو كان غاصبا ضمنه بمثله ، فإذا كان شريكا ضمنه بحقه ، فعلى هذا لو أخذ بالقسمة أكثر من حقه ملك منه قدر حصته ، وضمن الزيادة لشريكه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون مما يقسم صلحا ولا يقسم جبرا ، وهو ما اختلفت أجزاؤه وتفاضلت قيمته ، كالبقر والأرض والعروض والنبات ، فلا تصح للقسمة إلا برضى الراهن الباقي والمرتهن ، فإن تفرد أحدهما بمقاسمته تصح القسمة : لأن للراهن حق الملك وللمرتهن حق المنفعة الوثيقة ، فإن رضي الراهن دون المرتهن لم يجبر المرتهن : لحقه في الوثيقة ، ولو رضي المرتهن دون الراهن لم يجبر الراهن لحقه في الملك ، ولكن لو رضيا معا وجعل أحدهما إلى [ ص: 221 ] الآخر مقاسمة الشريك جاز ذلك وصحت القسمة ، سواء قاسمه الراهن بإذن المرتهن ، أو قاسمه بإذن الراهن .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية