الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال المزني : رضي الله عنه : " وإذا كان العبد بين رجلين فأمر أحدهما صاحبه ببيعه فباعه من رجل بألف درهم فأقر الشريك الذي لم يبع أن البائع قد قبض الثمن وأنكر ذلك البائع وادعاه المشتري فإن المشتري يبرأ من نصف الثمن وهو حصة المقر ويأخذ البائع نصف الثمن من المشتري فيسلم له ويحلف لشريكه ما قبض ما ادعى فإن نكل حلف صاحبه واستحق الدعوى " .

                                                                                                                                            [ ص: 490 ] قال الماوردي : وصورة هذه المسألة في عبد بين شريكين أذن أحدهما لصاحبه في بيعه فباعه المأذون له على رجل بألف درهم ثم إن المشتري ادعى على البائع أنه سلم إليه الألف الثمن وأنكرها البائع وصدقه عليها الشريك الذي لم يبع فقد برئ المشتري بتصديق الشريك الذي لم يبع من حصته خمسمائة درهم لأنه معترف بقبض وكيله لها ثم القول قول الشريك البائع مع يمينه أنه لم يقبض فإذا حلف فله أن يرجع على المشتري بحصته وهي خمسمائة درهم يختص بها ويحلف لشريكه بالله أنه ما قبض حصته من المشتري لأن قول الشريك الذي لم يبع قد تضمن إقرارا على نفسه ودعوى على شريكه ، فكان إقراره على نفسه مقبولا في براءة المشتري في حقه ، وادعاؤه على شريكه غير مقبول في الرجوع عليه بحصته ، فإن قيل : ما قبضه البائع بعد يمينه يقتضي أن يكون مقسوما بين الشريكين لأنه مقبوض من ثمن عبد مشترك بينهما لم يقتسما عليه ، قيل : ما قبضه البائع حق له لا يجوز لشريكه أن يقاسمه عليه ، واختلف أصحابنا في تعليل ذلك فكان أبو إسحاق المروزي يقول : العلة فيه أن الذي لم يبع بتصديق المشتري مقر بأن البائع ظالم فيما يأخذه فلم يجز أن يشاركه فيما يقر بأنه ظالم غير مستحق ، وكان أبو الفياض وطائفة من البصريين يقولون : العلة فيه أن الذي لم يبع لما أبرأ المشتري بتصديقه صار كالقابض لحقه فكان ذلك منه فسخا للشركة فلم يبق له في المقبوض حق يقاسم عليه فلو كان المشتري أقام على البائع بينة بدفع الثمن إليه برئ من جميعه بالبينة وكان للشريك الذي لم يبع أن يرجع على البائع بحصته ببينة المشتري من غير استئناف لها لأنه قد ثبت بها على البائع قبض الثمن كله فلو شهد على البائع شريكه الذي لم يبع ليحلف المشتري معه ففي قبول شهادته قولان مبنيان على اختلاف قوليه في تبعيض الشهادة إذا رد بعضها هل يوجب ذلك رد باقيها لأن شهادته مردودة في حصة نفسه ؟ فلو عدم المشتري البينة ونكل البائع عن اليمين فردت على المشتري فحلف برئ من الثمن كله وكان للذي لم يبع أن يرجع على البائع بحصته بيمين المشتري وحده لأن اليمين بعد النكول إما أن تجري مجرى البينة أو مجرى الإقرار وكل واحد منهما يثبت الرجوع والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية