الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا غاية لحبسه أكثر من الكشف عنه ، فمتى استقر عند الحاكم ما وصفت لم يكن له حبسه ولا يغفل المسألة عنه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا حبس المفلس لغرمائه لعدم البينة بعسرته استكشف الحاكم أمره ولم يجز أن يعقله ، وقال مالك : يجب أن يعقله حتى تقوم البينة بعسرته ولا يجوز أن يتولى الحاكم الكشف عن حاله لأن ذلك ميل وإسقاط الحق ، وهذا ليس بصحيح ، لأن الحاكم لا يلزمه استيفاء الحق ، بل يلزمه رفع الظلم ، وحبس المفلس إن كان معسرا ظلم والمحبوس لا يقدر على إقامة البينة ، فلزم الحاكم أن يتولى الكشف عن حاله ليقر الحق مقره ، وإذا كان كذلك فمتى قامت عنده البينة بإعساره بعد الكشف عن حاله وجب إطلاقه في الحال من غير أن ينتظر به بقضي مدة ، وقال أبو حنيفة فيما رواه محمد عنه : يحبس ستة أشهر ثم يخلى ، وروى الحسن بن زياد : أنه يحبس أربعة أشهر ثم يخلى ، وروى غيرهما : أنه يحبس أربعين يوما ثم يخلى ، وكل هذا فاسد لقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة [ البقرة : 280 ] ولأن كل موضع دلت البينة على صدق المدعي لم يجز تأخيرها عن تأخير الحكم بها كسائر الدعاوي ، ولأنه لما كان قيام البينة بعسرته قبل الحبس توجب تركه في الحال كذلك بعد الحبس ، فإذا ثبت أنه يطلق في الحال عند قيام البينة بعسرته فإن الحاكم [ ص: 337 ] يحلفه لجواز أن يكون له مال ، فإن حلف أطلقه ، وإن نكل فعلى وجهين حكاهما ابن أبي هريرة :

                                                                                                                                            أحدهما : يطلقه بالبينة التي هي ظاهر حاله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يترك محبوسا حتى يحلف ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية