مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن ضمن بأمره وغرم رجع بذلك عليه وإن تطوع بالضمان لم يرجع " .
قال الماوردي : وهذا صحيح ، وجملته أن من لم يخل حاله فيه من أربعة أقسام : ضمن مالا عن غيره وأداه عنه
أحدها : أن يضمن عنه بغير أمره ويؤديه بغير أمره .
والثاني : أن يكون الضمان بأمره والأداء بأمره .
والثالث : أن يضمن بغير أمره ويؤديه به بأمره .
والرابع : أن يضمن عنه بأمره ويؤديه بغير أمره .
فأما القسم الأول وهو أن فلا رجوع له بما أدى [ ص: 438 ] بحال ، وقال يضمن عنه بغير أمره ويؤديه بغير أمره مالك : إن قصد به خلاص المضمون عنه لمودة بينهما ، أو صرح بالرجوع عند الأداء رجع عليه ، وهذا خطأ لأن عليا ، وأبا قتادة لو استحقا الرجوع بما ضمنا لما كان في ضمانهما فك لرهان الميت ، ولأنه متطوع بالضمان والأداء فصار كمن أنفق على رقبة غيره أو علف بهائمه لم يرجع بما أنفق لتطوعه .
وأما القسم الثاني وهو أن فله الرجوع لا يختلف ؛ لأن الأمر به في الحالين يخرجه من حكم التطوع . يضمن عنه بأمره ويؤدي عنه بأمره
والقسم الثالث : وهو أن ، فله في الأمر بالأداء ثلاثة أحوال : يضمن عنه بغير أمره ويؤديه بأمره
حال يقول : أد ما ضمنته من غير أن يقول : أد عني ذلك فهذا لا رجوع للضامن به لا يختلف ؛ لأن هذا أمر بما كان لازما له بالضمان ، الذي تطوع به .
والحال الثاني : أن يقول أد عني ما ضمنته لترجع به علي ، فله الرجوع بذلك لا يختلف : لأنه قد شرط له الرجوع في أمره بالأداء .
والحال الثالث : أن يقول : أد عني ما ضمنته ، ففي رجوعه وجهان :
أحدهما : يرجع به : لأنه أمره بالغرم عنه .
والثاني : لا يرجع به لأن هذا الأمر يحتمل أن يراد به التطوع ، ويحتمل أن يراد به الرجوع .
وأما القسم الرابع وهو أن فهذا ينظر ، فإن أداه بعد المطالبة له والتشديد عليه ومحاكمته فله الرجوع بما أدى : لأنه مستحق عليه بالضمان المأمور به ، وإن أداه قبل المطالبة به ففي رجوعه به وجهان : يضمن عنه بأمره ويؤديه بغير أمره
أحدهما : لا رجوع له به : لأنه يصير قبل المطالبة متطوعا بالأداء .
والوجه الثاني وهو الصحيح وبه قال أبو علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا : له الرجوع ؛ لأن الأداء مستحق بالضمان المأمور به ، فصار مؤديا ما وجب بالأمر ، وهكذا حال الوكيل في الشراء إن أذن له الموكل في وزن الثمن عنه كان له الرجوع به ، وإن نهاه عن وزن الثمن عنه لم يكن له الرجوع به ، وإن لم يأذن له في وزنه ولم ينهه عنه فإن وزنه عنه بعد المحاكمة والمطالبة فله الرجوع به ، وإن وزنه قبل المطالبة ففي الرجوع به وجهان .