والوجه الثاني : أن القسم بينهن لم يكن واجبا ، وإنما كان يتطوع به . وهو قول أبي سعيد الإصطخري وطائفة : لما في وجوبه عليه من التشاغل عن لوازم الرسالة ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء [ الأحزاب : 51 ] وفيه تأويلان : ولقوله تعالى :
أحدهما : معناه تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت من أزواجك فلا تعزلها ، هذا قول مجاهد .
والثاني : معناه تؤخر من شئت من أزواجك ، وتضم إليك من تشاء من أزواجك . وهذا قول قتادة . ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك [ الأحزاب : 51 ] أي من ابتغيت فآويته إليك ممن عزلت أن تؤويه إليك ، فلا جناح عليك فيه تأويلان :
[ ص: 26 ] أحدهما : فلا جناح عليك فيمن ابتغيت وفيمن عزلت . وهو قول يحيى بن سلام .
والثاني : فلا جناح عليك فيمن عزلت أن تؤويه إليك . وهو قول مجاهد .
ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن [ الأحزاب : 51 ] فيه تأويلان :
أحدهما : إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن فلم يحزن . وهذا قول مجاهد .
والثاني : إذا علمن أن هذا من حكم الله تعالى فيهن قرت أعينهن و لم يحزن . وهذا قول قتادة . فاختلفوا : هل أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أحدا من نسائه أم لا ؟ فالذي عليه الأكثرون أنه لم يرج منهن أحدا ، وأنه مات عن تسع ، فكان يقسم منهن لثمان ، لأن وهبت يومها سودة لعائشة ، روى منصور عن ابن رزين قال : بلغ بعض نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يخلي سبيلهن ، فأتينه ، فقلن : لا تخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك ، فأرجأ منهن نسوة وآوى نسوة ، فكان ممن أرجأ ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية ، وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء ، وكان ممن آوى وسودة عائشة وأم سلمة وزينب ، فكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء وحفصة ، والله أعلم .