الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الفصل الثالث في الزنا هل يتعلق عليه شيء من أحكام النكاح أم لا ؟ فالكلام في هذا يشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : في الزنا : هل ينتشر عنه حرمته في تحريم المصاهرة حتى تحرم عليه أمهاتها وبناتها ، ويحرم على آبائه وأبنائه أم لا ؟ والكلام في هذا باب مفرد يأتي ، نحن نذكره فيه .

                                                                                                                                            الفصل الثاني : هل لما ذكرناه حرمة تجب بها العدة أم لا ؟

                                                                                                                                            فمذهب الشافعي : أنه لا حرمة له في وجوب العدة منه سواء كانت حاملا من الزنا أو حائلا ، وسواء كانت ذات زوج فيحل للزوج أن يطأها في الحال ، أو كانت خلية فيجوز للزاني وغيره أن يستأنف العقد عليها في الحال حاملا كانت أو حائلا ، غير أننا نكره له وطئها في حال حملها حتى تضع .

                                                                                                                                            وقال مالك وربيعة والثوري والأوزاعي وإسحاق : عليها العدة من وطء الزنا بالإقرار إن كانت حائلا ووضع الحمل إن كانت حاملا ، فإن كانت ذات زوج حرم عليه وطئها حتى تنقضي العدة بالإقرار أو الحمل ، وإن كانت خلية حرم على الناس كلهم نكاحها حتى تنقضي عدتها بالإقرار أو بالحمل .

                                                                                                                                            وقال ابن شبرمة وأبو يوسف : إن كانت حاملا حرم نكاحها حتى تضع ، وإن كانت حائلا لم يحرم نكاحها ولم تعتد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يحرم نكاحها حاملا ولا حائلا ، لكن إن نكحها حاملا حرم عليه وطئها حتى تضع .

                                                                                                                                            فأما مالك فاستدل بقبول النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض " .

                                                                                                                                            وأما أبو يوسف فاستدل بقول الله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن .

                                                                                                                                            وأما أبو حنيفة فاستدل بقوله صلى الله عليه وسلم : لا تسق بمائك زرع غيرك .

                                                                                                                                            والدليل على جماعتهم حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يحرم الحرام الحلال وأن عمر حين جلد الغلام والجارية حرص أن يجمع بينهما من غير اعتبار عدة فأبى الغلام ، ولأن وجوب العدة من الماء إنما يكون لحرمته ولحوق النسب به ولا حرمة لهذا الماء تقضي [ ص: 192 ] لحوق النسب ، فلم تجب منه العدة ، ولأنه لما انتفى عن الزنا سائر أحكام الوطء الحلال من المهر والنسب والإحسان والإحلال للزوج الأول انتفى عنه حكمه في العدة .

                                                                                                                                            فأما استدلال مالك بقوله عليه السلام : ألا لا توطأ حامل حتى تضع فهذا وارد في سبي أوطاس وكن منكوحات ، وللإماء حكم يخالف الحرائر في الاستبراء .

                                                                                                                                            وأما استدلال أبي يوسف بقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فالمراد به من الزوجات المطلقات ، بدليل ما في الآية من وجوب نفقاتهن وكسوتهن من قوله : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن [ الطلاق : 6 ] .

                                                                                                                                            وأما استدلال أبي حنيفة بقوله : لا تسق بمائك زرع غيرك فإنما أراد فرعا ينسب إلى غيره وهو الحلال الذي يلحق بالواطئ والحرام الذي يضاف إلى أحد ، فلم يتوجه النهي على أن هذا الحديث وارد في رجل يملك أمة وسأل هل يطأها ، فقال : لا تسق بمائك زرع غيرك إشارة إلى ماء البائع ، وذاك حلال بخلاف الزنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية