الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : ونكاح المحلل باطل

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في امرأة طلقها زوجها ثلاثا ، حرمت بهن عليه إلا بعد زوج ، فنكحت بعده زوجا : ليحلها للأول فيرجع إلى نكاحها ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يشترطا في عقد النكاح أن يتزوجها على أنه إذا أحلها بإصابة للزوج الأول ، فلا نكاح بينهما ، فهذا نكاح باطل .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : النكاح صحيح ، والشرط باطل .

                                                                                                                                            [ ص: 333 ] والدليل على بطلانه ما رواه الحارث الأعور عن علي ، ورواه عكرمة عن ابن عباس ، ورواه أبو هريرة كلهم بروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لعن الله المحلل والمحلل له .

                                                                                                                                            وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلل والمحلل له ، ولأنه نكاح على شرط إلى مدة ، فكان أغلظ فساد من نكاح المتعة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : جهالة مدته .

                                                                                                                                            والثاني : أن الإصابة فيه مشروطة لغيره ، فكان بالفساد أخص ، ولأنه نكاح شرط فيه انقطاعه قبل غايته ، فوجب أن يكون باطلا .

                                                                                                                                            أصله : إذا تزوجها شهرا ، أو حتى يطأ أو يباشر .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يتزوجها ويشترط في العقد أنه إذا أحلها للزوج الأول طلقها ، ففي النكاح قولان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قوله في القديم " والإملاء " - : أن النكاح صحيح ، ولأنه لو تزوجها على أن لا يطلقها كان النكاح جائزا ، وله أن يطلقها ، كذلك إذا تزوجها على أن يطلقها وجب أن يصح النكاح ، ولا يلزمه أن يطلقها .

                                                                                                                                            والقول الثاني - نص عليه في الجديد من " الأم " وهو الأصح - : أن النكاح باطل : لأنه باشتراط الطلاق مؤقت ، والنكاح ما تأبد ، ولم يتوقف ، وبهذا المعنى فرقنا بين أن يشترط فيه أن لا يطلقها فيصح : لأنه مؤبد ، وإذا شرط أن يطلقها لم يصح : لأنه مؤقت .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أنه يشترط ذلك عليه قبل العقد ، ويتزوجها مطلقا من غير شرط ، لكنه ينوي ويعتقده ، فالنكاح صحيح : لخلو عقده من شرط يفسده ، وهو مكروه : لأنه نوى فيه ما لو أظهره أفسده ، ولا يفسد بالنية : لأنه قد ينوي ما لا يفعل ويفعل ما لا ينوي ، وأبطله مالك ، وقال : هو نكاح محلل ، وحكى أبو إسحاق المروزي عن أبي حنيفة أنه استحبه : لأنه قد تصير للأول بإحلالها له .

                                                                                                                                            وكلا المذهبين خطأ ، بل هو صحيح بخلاف قول مالك ، ومكروه بخلاف استحباب أبي حنيفة ، لما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج عن ابن سيرين : أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا ، وكان يقعد على باب المسجد أعرابي مسكين فجاءته امرأة ، فقالت له : هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة ، فإذا أصبحت فارقتها قال : نعم ، ومضى فتزوجها ، وبات معها ليلة ، فقالت له : سيقولون لك [ ص: 334 ] إذا أصبحت فارقها ، لا تفعل ، فإني مقيمة لك ما ترى ، واذهب إلى عمر ، فلما أصبح أتوه وأتوها ، فقالت لهم : كلموه ، فأنتم آتيتم به ، فقالوا له : فارقها ، فقال : لا أفعل ، أمضى إلى عمر فأخبره ، فقال له : الزم زوجتك ، فإن رابوك بريبة فائتني ، وبعث عمر إلى المرأة التي مشت لذلك فنكل بها ، وكان الأعرابي يغدو ويروح إلى عمر في حلة ، فيقول له عمر : الحمد الله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح . فقد أمضى عمر النكاح : فبطل به قول مالك في فساده ، ونكل عمر بالمرأة التي مشت فيه فدل على كراهته ، وفساد ما حكي عن أبي حنيفة من استحبابه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية