الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما القسم الأول وهو : أن يسبق أحدهما الآخر ويعلم أيهما هو السابق بالنكاح لأسبق الزوجين عقدا ، والنكاح الثاني المسبوق باطل ، سواء دخل هذا الثاني بها أو لم يدخل .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة : علي بن أبي طالب .

                                                                                                                                            ومن التابعين : شريح ، والحسن البصري .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء : أبو حنيفة ، والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال مالك : النكاح للأول إلا أن يدخل بها الثاني وهو لا يعلم بنكاح الأول فيكون النكاح للثاني دون الأول .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة : عمر بن الخطاب .

                                                                                                                                            ومن التابعين : عطاء .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء : الزهري ، استدلالا بما روي أن موسى بن طلحة بن عبيد الله زوج أخته بيزيد بن معاوية بالشام ، وزوجها أخوها يعقوب بن طلحة بالحسن بن علي بالمدينة فدخل بها الحسن ، وهو الثاني من الزوجين ، ولم يعلم بما تقدم من نكاح يزيد ، فقضى معاوية بنكاحها للحسن بعد أن أجمع معه فقهاء المدينة ، فصار من سواهم محجوبا بإجماعهم : ولأنه قد تساوى العقدان في أن يفرد كل واحد منهما ، ولي مأذون له ويرجع الثاني أيما تعلق عليه من أحكام النكاح بالدخول من وجوب المهر والعدة ولحوق النسب ، فصار أولى وأثبت من الأول ، ولأن المتنازعين في الملك إذا انفرد أحدهما بتصرف ويد كان أولى كذلك الزوجات .

                                                                                                                                            ودليلنا قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله والمحصنات من النساء [ النساء : 24 ] يعني ذوات الأزواج فنص على تحريمها كالأم فلم يجز أن تحل بالدخول كما لا يحل غيرها من المحرمات .

                                                                                                                                            وروى قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما ذكره أبو داود في سننه .

                                                                                                                                            [ ص: 123 ] وروى الشافعي بإسناد رفعه لعقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا نكح الوليان فالأول أحق .

                                                                                                                                            وروى أبو موسى الأشعري : أن امرأة ذات وليين زوجها أحدهما بعبد الله بن الحسن الحنفي ، وزوجها الآخر بعبيد الله بن الحسن الحنفي ، فدخل بها عبيد الله ، وهو الثاني ، وتقاضيا إلى علي بن أبي طالب ، فقضى بالنكاح للأول منهما ، وهو عبد الله ، وأبطل نكاح عبيد الله مع دخوله ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا نكح الوليان فالأول أحق .

                                                                                                                                            ويدل عليه من طريق الاعتبار أن كل نكاح لا يصح إذا عري عن الوطء لم يصح إذا اتصل بالوطء كالنكاح في العدة ، ولإجماعنا إن رجلا لو وكل وكيلين في أن يزوجه كل واحد منهما امرأة فزوجاه بأختين أو وكل كل واحد منهما أن يزوجه بأربع نسوة فزوجه كل واحد منهما أربعا أن نكاح الأول منهما أصح من نكاح الثاني وإن اقترن به دخول ، فكذلك وليا المرأة يجب أن يكون نكاح الأول منهما أصح وإن اقترن بالثاني دخول .

                                                                                                                                            وتحريره : أن بطلان نكاح الثاني إذا لم يقترن به دخول لا يوجب تصحيحه ، فإذا اقترن به دخول لا يوجب تصحيحه كوكيلي الزوج في أختين أو أربع بعد أربع : ولأن الدخول في النكاح جار مجرى القبض في البيع ، ثم ثبت أن الوكيلين في بيع عبد لو باعه كل واحد منهما وأقبضه الثاني أن البيع للأول وإن قبض الثاني ، كذلك الوليان في النكاح .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلالهم بنكاح الحسن ويزيد : فهو أنه يجوز أن يكون معاوية استنزل يزيد عن نكاحها ، واستأنف عقد الحسن عليها .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بأن الثاني قد ترجح بما تعلق عليه من أحكام النكاح : ففاسد : لأن المتعلق عليه أحكام الوطء بشبهة ، ولم يتعلق عليه أحكام النكاح ، ثم هو باطل بالزوج إذا زوجه وكيلاه بأختين ، فإن النكاح للأولى وإن دخل بالثانية .

                                                                                                                                            وأما استدلالهم بأن المتنازعين يقدم صاحب اليد والتصرف منهما على صاحبه : فليس لليد في النكاح تأثير ، وكذلك في الأملاك إذا كانت معروفة ، والأنساب ، ثم هو فاسد بنكاح الأختين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية