الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان هلاكها بالقتل دون الموت ، فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون هي القاتلة . والضرب الثاني : أن يقتلها غيرها .

                                                                                                                                            فإن قتلها غيرها فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقتلها الزوج ، فعليه مهرها حرة كانت أو أمة ، باتفاق جميع أصحابنا : لأن الحرة كالمقبوضة ، والأمة وإن كانت في حكم غير المقبوضة ، فقد استهلكها مستحق قبضها ، فلزمه مهرها كما يلزم مشتري السلعة إذا استهلكها في يد بائعها جميع ثمنها ، ويصير الاستهلاك قبضا كذلك القتل .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يقتلها أجنبي غير الزوج ، فحكم قتله لها في حق الزوجية حكم الموت ، فيكون لها المهر على مذهب الشافعي حرة كانت أو أمة ، وعلى مذهب أبي سعيد الإصطخري يكون لها المهر إن كانت حرة ، ولا يكون لها المهر إن كانت أمة .

                                                                                                                                            وإن كانت هي القاتلة لنفسها فقد قال الشافعي في الأمة : أن لا مهر لها إذا قتلت نفسها أو قتلها غيرها .

                                                                                                                                            وقال في الحرة : إن لها المهر إن قتلت نفسها فاختلف أصحابنا لاختلاف النص فيهما على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي العباس بن سريج - : أن اختلاف النص في الموضعين يوجب حملهما على اختلاف قولين : أحدهما : أنه لا مهر لها حرة كانت أو أمة : لأن الفسخ جائز من قبلها قبل الدخول ، فأسقط مهرها كالردة والرضاع .

                                                                                                                                            [ ص: 173 ] وبه قال أبو حنيفة : لأنها فرقة وقعت بالموت ، وخالفت الرضاع والردة : لما فيهما من التهمة لاختيار الفرقة ، وأنه ليس في القتل تهمة باختيار الفرقة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي سعيد الإصطخري ، وأبي حامد المروزي - : أن الجواب على ظاهره فتكون لها المهر إن كانت حرة ، ولا يكون لها المهر إن كانت أمة ، وفرقوا بين الحرة والأمة من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : ما قدمناه من فرق أبي سعيد الإصطخري أن الحرة في حكم المقبوضة : لأن الزوج يقدر على الاستمتاع بها متى شاء ، فصار التسليم من جهتها موجودا ، فاستحقت المهر بحدوث التلف والأمة بخلافها : لأن الزوج لا يقدر على الاستمتاع بها إذا شاء حتى يرضى السيد ، فصار التسليم من جهتها غير موجود فسقط المهر .

                                                                                                                                            والفرق الثاني : أن المقصود من نكاح الحرة الألفة والمواصلة دون الوطء : لجواز عقده على من لا يمكن وطئها من صغيرة ورتقاء ، وذلك حاصل قبل الدخول فثبت لها المهر ، والمقصود من نكاح الأمة الوطء دون المواصلة : لأنه لا يجوز له أن يتزوجها إلا من خوف العنت ، وذلك غير حاصل له قبل الدخول فسقط المهر .

                                                                                                                                            والفرق الثالث : أن الحرة قد تستنفد ميراثها ، فجاز أن يغرم مهرها ، والأمة لم تستنفد ميراثها فلم يغرم مهرها ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية