الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " إلا أن تكون مكاتبة فيرجع عليها في كتابتها : لأنها كالجناية ، فإن عجزت فحتى تعتق ، فإن ضربها أحد فألقت جنينا ، ففيه ما في جنين الحرة ( قال المزني ) رحمه الله : قد جعل الشافعي جنين المكاتبة كجنين الحرة إذا تزوجها على أنها حرة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا تزوجها على أنها حرة فكانت مكاتبة كان في نكاحها قولان كالأمة :

                                                                                                                                            أحدهما : باطل .

                                                                                                                                            والثاني : جائز .

                                                                                                                                            وهل له الخيار أم لا ؟ على قولين كالأمة .

                                                                                                                                            فإذا قيل بصحة النكاح ، وأن لا خيار فيه أو فيه الخيار فاختار المقام عليه ، فالمهر المسمى بالعقد واجب ، وهو للمكاتبة دون سيدها : لأنه من كسبها واكتساب المكاتبة لها بخلاف الأمة ، فأما أولادها الذين علقت بهم بعد علم الزوج بكتابتها ففيهم قولان : [ ص: 354 ] أحدهما : مماليك لسيدها .

                                                                                                                                            والثاني : تبع لها يعتقون بعتقها إن أدت ، ويرقون برقها إن عجزت .

                                                                                                                                            وإذا قيل ببطلان النكاح أو قيل بصحته ، وفيه الخيار ، فاختار الفسخ ، فالحكم في الحالين سواء ، وينظر فإن لم يدخل بها الزوج فلا مهر عليه ، وإن دخل بها فعليه مهر المثل دون المسمى يكون ذلك للمكاتبة دون سيدها ، وعليه قيمة أولادها وفيمن تكون له قيمتهم قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : للسيد إذا قيل : إنهم عبيده لو رقوا .

                                                                                                                                            والثاني : للمكاتبة إذا قيل : إنهم تبع لها ثم فيما يأخذه من قيمتهم وجهان :

                                                                                                                                            أجدهما - وهو قول أبي إسحاق المروزي - : تستعين به في كتابتها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي علي بن خيران - : أن يكون موقوفا ، كما يوقف الأولاد لو رقوا ، فإن عتقت بالأداء ملكت قيمتهم ، وإن رقت بالعجز كانت قيمتهم للسيد ، ويرجع الزوج بقيمة الأولاد على من غره ، فإن كان الوكيل هو الذي غره ، رجع عليه بها بعد غرمها ، سواء غرمها للمكاتبة أو لسيدها ، وإن كانت المكاتبة هي التي غرته ، فإن قيل : يجب للسيد غرمها للسيد ، ثم رجع بها على المكاتبة في مال كتابتها فإن عجزت ورقت فبعد عتقها .

                                                                                                                                            وإن قيل : تجب قيمة الأولاد لها دون السيد سقطت عنه ولم يغرمها : لأنه لو غرمها لرجع بها ، وأما المهر ففي رجوع الزوج به قولان على ما مضى .

                                                                                                                                            فإن قيل : لا يرجع به ، دفع جميعه إليها .

                                                                                                                                            وإن قيل : يرجع به ، نظر في الغار به : فإن كان الوكيل ، غرم لها مهرها ورجع بجميعه على الوكيل ، وإن كانت هي الغارة ، سقط عنه المهر : لأنه لها . وهل يسقط جميعه أم لا ؟ فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يسقط جميعه : لأنه يستحق الرجوع على غيرها بجميعه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يسقط إلا أقل ما يجوز أن يكون مهرا ، فيلزمه دفعه إليها ، ولا يرجع به عليها : لأن لا يصير مستمتعا ببضعها من غير بذل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية