الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر جواز الوكالة في النكاح جاز أن يوكل الولي والزوج ، ولم يجز أن يوكل الزوجة : لأنه لا حق للزوجة في مباشرة العقد ، فلم يصح منها التوكيل فيه ، وإذا كان كذلك فحكم الوكالة فيه يتعلق بفصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : في توكيل الولي .

                                                                                                                                            والثاني : في توكيل الزوج .

                                                                                                                                            فأما توكيل الولي فلا يجوز أن يوكل فيه إلا من يصح أن يكون وليا فيه ، وهو أن يكون ذكرا بالغا عاقلا حرا مسلما رشيدا ، فإذا اجتمعت هذه الأوصاف الستة صح توكيله ، كما تصح [ ص: 114 ] ولايته ، وإن أخل بأحد هذه الأوصاف فوكل امرأة ، أو صغيرا ، أو مجنونا ، أو عبدا ، أو كافرا ، أو سفيها لم يجز وكانت الوكالة باطلة ، فإن عقد بها كان العقد فاسدا ، فإذا تكاملت في الوكيل هذه الشروط الست لم يخل حال الولي الموكل له من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون ممن يجبر على النكاح كالأب والجد مع البكر ، أو ممن لا يجبر عليه كسائر الأولياء مع الثيب ، أو كغير الأب والجد مع البكر والثيب ، فإن كان الولي ممن يجبر على النكاح كالأب والجد مع البكر ، فإن له أن يوكل بإذنها وغير إذنها ، كما يجوز له تزويجها بإذنها وغير إذنها ، لكن هل يلزمه أن يعين لوكيله على الزوج أو يرده إلى اختياره ؟ فيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز أن يرده إلى اختياره : لأنه قد أقامه بالتوكيل مقام نفسه ، فلم يلزمه التعيين كالتوكيل في الأموال ، فعلى هذا يلزمه أن يختار لها كفؤا ، والأولى به إذا أراد تزويجها بمن قد اختاره لها أن يستأذنها فيه ، وإذنها معه الصمت كإذنها مع الأب ، فإن زوجها به من غير استئذانه صح النكاح كالأب إذا زوج بغير إذن ، فلو أن الولي على هذا القول عين لوكيله على الزوج سقط اختيار الوكيل ، ولم يكن له تزويجها بغير من عين له عليه كالوكيل في الشراء إذا عين على ما يشتريه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن على الولي أن يعين لوكيله في عقد الوكالة على الزوج الذي زوجها به ، ولا يرد ذلك إلى خياره : لأن معنى الولي في لحوق عارها معقود في وكيله ، فلم يقم اختيار الوكيل مقام اختياره ، وفارق التوكيل في الأموال التي لا يراعى في اختيارها لحوق العار .

                                                                                                                                            فعلى هذا متى زوجها الوكيل بكفء وغير كفء ، كان النكاح باطلا لفساد الوكالة ، فلو عين له أن يزوجها بأحد رجلين ، نظر : فإن كان الولي قد اختارهما ورد العقد على أحدهما إلى خيار وكيله جاز ، وإن لم يكن من الولي اختيار بل رد ذلك إلى اختيار وكيله وخياره ، ثم الاعتبار بأن لا يكون للولي خيار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية