فصل : فإذا تقرر هذا ، قد جمع شرطين : النسب ، والدين ، فأما الكافرة فالولاية عليها تنقسم ثلاثة أقسام : ولاية بنسب ، وولاية بحكم ، وولاية بملك . فلا يثبت للكافر ولاية على مسلمة ، لا نسبا ، ولا حكما ، ولا ملكا ، ولا يزوجها من عصباتها إلا مسلم
فأما القسم الأول : وهو الولاية بالنسب ، فلا يثبت عليها إلا لمن إذا شاركها في النسب ، ساواها في الدين ، ويراعى أن يكون رشيدا في دينه ، كما يراعى رشد الولي المسلم ، فلو كانت الكافرة نصرانية ، وكان لها أخ نصراني وأخ مسلم وأخ يهودي وأخ مجوسي ، ولا ولاية عليها للمسلم ، ويكون النصراني واليهودي والمجوسي في الولاية عليها سواء ، كما يشاركون في ميراثها ، ولا يختص بها النصراني منهم : لأن الكفر كله ملة واحدة ، فلو كان في إخوتها مرتد عن الإسلام ، فلا ولاية له عليها ، كما لا ميراث له منها ، ولأن المرتد مولى عليه ، فلم يجز أن يكون وليا ، فلو كانت المرأة مرتدة ، وكان لها أخ مسلم وأخ مرتد وأخ نصراني ، فلا ولاية عليها لواحد منهم كما لا يرثها واحد منهم ، ولا يجوز أن تتزوج بمسلم ولا كافر ولا مرتد : لأن الردة مانعة من استباحة نكاحها .
وأما القسم الثاني : وهو الولاية بالحكم فيثبت للمسلم على الكافرة : لأنها لا تستحق بالموالاة بالنسب ، فيمتنع اختلاف الدين منها : وإنما تستحق بالولاية التي تثبت على الكافر كثبوتها على المسلم ، فإذا عدمت الكافرة منها شيئا من عصبتها الكفار ، زوجها حاكم المسلمين بكفء من الكفار أو المسلمين ، فإن دعت إلى زوج مسلم وجب على الحاكم تزويجها به : لأنه إذا لزمه الحكم بينهما ، وإن دعت إلى زوج كافر ، فإن كان من أهل العهد كان حاكم المسلمين بالخيار بين أن يزوجها به أو الإعراض عنها ، كما يكون بالخيار في الحكم بينهما إذا تقاضيا إليه ، وإن كانا من أهل الذمة ، فهل يلزم الحاكم تزويجها أم لا ؟ على قولين ، من اختلاف قوليه في وجوب الحكم بينهما عند الترافع إليه ، فإن زوجها لم يعقد نكاحها إلا شاهدان مسلمان ، ولا يجوز أن يعقده به أهل دينها : لأن تقاضى إلى حاكم المسلمين مسلم وكافر . الإسلام والعدالة شرط في الشهادة
وأما القسم الثالث : وهو الولاية بالملك فقد اختلف أصحابنا في ثبوتها للسيد المسلم على أمته الكافرة ، على وجهين :
أحدهما - وهو قول أبى إسحاق المروزي ، وأبي سعيد الإصطخري - : أنه يجوز ، وهو ظاهر كلام للسيد [ ص: 117 ] المسلم تزويج أمته الكافرة الشافعي : لأنه قال : " ولا يكون المسلم وليا لكافرة إلا على أمته " ووجهه شيئان :
أحدهما : أنه ولاية لم تستحق بموالاة النسب ، فلم يؤثر فيها اختلاف الدين كالولاية بالحكم .
والثاني : أن السيد يتوصل إلى الكسب ، فلم يؤثر اختلاف الدين كما لم يؤثر الفسق .
والوجه الثالث - وهو قول أبي إبراهيم المزني ، وأبي القاسم الداركي وطائفة - : أن إسلام السيد يمنعه من تزويج أمته الكافرة ، كما يمنعه من تزويج ابنته .
وحمل غير المزني قول الشافعي : " إلا على أمته " ، على أحد وجهين : إما حكاية عن مذهب غيره ، وإما على أمته في عقد الإجارة على منافعها دون بضعها ، استدلالا بأن في تزويجه لها تغليبا لولاية النكاح دون الكسب : لأن المرأة لا تزوج أمتها ، وإن ملكت عقد اكتسابها .
فأما المزني : فإنه اعترض على الشافعي رضي الله عنه ، فيما نقله من استدلاله له بحديث أم حبيبة ، وتوهم أنه استدل به في ، وهذا خطأ في التوهم : لأن تزويج المسلم لأمته الكافرة الشافعي إنما استدل به على أن الكافر لا يزوج بنته المسلمة ، وهو دليل عليه ، وبالله التوفيق .