الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ القول في وجوب الحد بوطء جارية ابنه ]

                                                                                                                                            فأما الفصل الأول : في وجوب الحد ، فلا يخلو حال الأمة الموطوءة من أن يكون الابن قد وطئها قبل ذلك أو لم يطأها ، فإن لم يكن الابن قد وطئها ، فلا حد على الأب في وطئها . وهو قول جمهور الفقهاء .

                                                                                                                                            وحكي عن الزهري وأبي ثور ، وجوب الحد عليه : استدلالا بأنه لما حد الابن بوطئه جارية الأب مع وجود الشبهة في ماله الذي يسقط بها عنه قطع السرقة ، وجب أن يحد الأب بوطئه جارية الابن ، وإن كانت له شبهة في ماله يسقط بها عنه قطع السرقة .

                                                                                                                                            وهذا خطأ : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك ولقوله صلى الله عليه وسلم : أولادكم من كسبكم فكلوا من طيب كسبكم فلما تميز الأب في مال الابن بهذا الحكم قويت شبهته فيه عن شبهة الابن في مال الأب ، فوجب لقوة شبهته على شبهة الابن أن يدرأ بها عنه الحد : لقوله صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود بالشبهات ولأنه لما منع الابن من نفس أبيه قودا ، منع منه حدا : لأن الأب لو قتل ابنه لم يقتص منه ، ولو قذفه لم يحد به ، ويقتل الابن بأبيه ويحد بقذفه ، فوجب أن يسقط الحد عن الأب بوطئه جارية الابن ، وأن لا يسقط الحد عن الابن بوطئه جارية الأب : لأن الحد إن ألحق بحد القذف لم يجب ، وإن ألحق بالقود في النفس لم يجب ، وهذا دليل وانفصال ، ولأن على الابن إعفاف أبيه لو احتاج ، وليس على الأب إعفاف ابنه إذا احتاج ، فلما كان الوطء جنسا يجب على الابن تمكين أبيه منه ، ولم يجب على الأب تمكين ابنه منه وجب أن يسقط [ ص: 177 ] الحد عن الأب : لأنه له حق من جنسه ، ولا يسقط عن الابن : لأنه ليس له حق من جنسه ، وهذا أيضا دليل وانفصال .

                                                                                                                                            فأما السرقة ، فإنما سقط القطع عن كل واحد منهما في مال الآخر : لتساويهما في شبهة كل واحد منهما في مال الآخر : لأن نفقة الابن قد تجب في مال الأب كما تجب نفقة الأب في مال الابن فاستويا ، وليس كذلك حد الوطء لاختصاص الأب فيه بالشبهة دون الابن ، كما يستحقه الأب على الابن من الإعفاف ولا يستحقه الابن على الأب ، فافترقا ، فإذا ثبت أن لا حد عليه ، ففي تعزيره وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يعزر : ليرتدع هو وغيره عن مثله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يعزر : لأن التعزير بدل من الحد ، وليس عليه حد ، فكذلك ليس عليه تعزير ، فهذا حكم وطء الأب لها إذا لم يكن الابن قد وطئها .

                                                                                                                                            فأما إذا كان الابن قد وطئها ، ثم وطئها الأب بعده ، ففي وجوب الحد عليه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : عليه الحد ، إذا علم بالتحريم أنها ممن لا تحل له أبدا بخلاف التي لم يطأها الابن ، فصارت من حلائل أبنائه فلزمه الحد كما يلزمه في وطء زوجة ابنه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا حد عليه : لأنها وإن وطئها ، فهي من جملة أمواله التي يتعلق بها شبهة أبيه .

                                                                                                                                            ويشبه أن يكون تخريج هذين الوجهين من اختلاف قوليه في وجوب الحد على من وطأ أخته من نسب أو رضاع أو بملك اليمين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية