الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والضرب الثاني : أن يترافعا إلى حاكمنا في ابتداء عقد يستأنفه بينهما ، فعلى الحاكم أن يعقده بينهما على الشروط المعتبرة في الإسلام بولي وشهود : لقول الله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ المائدة : 49 ] . وإنما جاز أن يمضي في مناكحهم في الشرك ، وإن لم تكن على شروط الإسلام ، ولا يجوز أن يستأنفها في الإسلام إلا على شروطه : لقوله تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 38 ] . ولأن في اعتبار مناكحهم في الشرك على شروط الإسلام وردها إذا خالفته تنفيرا لهم من الدخول في الإسلام ، وليس فيما استأنفوه لرضاهم به تنفيرا لهم منه .

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما وصفناه فوليها في النكاح أقرب عصبتها من الكفار ، ولأن ولي الكافرة كافر ، ويراعى أن يكون عدلا في دينه ، فإن كان فاسقا فيه كان كفسق الولي المسلم يعدل إلى غيره من الأولياء العدول ، فإن عدم أوليائها من العصبة والمعتقين زوجها الحاكم ولا يمنعه الإسلام من تزويجها ، وإن منع منها إسلام عصبتها : لأن تزويجها حكم فيه عليها .

                                                                                                                                            فأما الشهود في نكاحها ، فلا يصح إلا أن يكونوا مسلمين .

                                                                                                                                            وجوز أبو حنيفة عقد نكاحها بشهود كفار كما جاز بولي كافر .

                                                                                                                                            وهذا خطأ : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل .

                                                                                                                                            والفرق بين الولي والشهود أن الولي يراد لطلب الحظ لها للموالاة التي بينها ، والكافر المشارك لها في الكفر أقوى موالاة من المسلمين ، فكان الكافر أحق بولاية نكاحها من المسلم ، وليس كذلك الشهود : لأنهم يرادون لإثبات الفراش ، وإلحاق النسب ولا يثبت [ ص: 310 ] ذلك إلا بالمسلمين ، فكانوا أخص بالشهادة فيه من غيرهم ، وهذا حكم إذنها إذا كانت ثيبا بالنطق ، وإن كانت بكرا بالصمت ، ولا يعقده إلا بصداق حلال ، وإن كانوا يرون في دينهم عقده بالمحرمات من الخمور والخنازير .

                                                                                                                                            وهل يجوز أن يعقد كتابي على وثنية ، أو وثني على كتابية أو لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول أبي سعيد الإصطخري - : لا يجوز لمسلم أن يعقد على وثنية ، ولا لوثني أن يعقد على مسلمة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو مذهب الشافعي - : يجوز : لأن الكفر كله ملة واحدة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية