فصل : والثالث من عيوبهما : : وهو حدوث بياض في الجلد يذهب معه دم الجلد وما تحته من اللحم وفيه عدوى إلى النسل والمخالطين ، وتعافه النفوس وتنفر منه ، فلا يكمل معه الاستمتاع ، ولذلك رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح امرأة وجد بكشحها بياضا ، وفي قليله وكثيره الخيار : لأن قليله يصير كثيرا ، وسواء كان بالزوج أو الزوجة . البرص
فأما البهق : فتغير لون الجلد ، ولا يذهب بدمه ويزول ، ولا تنفر منه النفوس ، فلا خيار فيه ، فلو اختلفا فقال الزوج : هذا البياض برص ولي الخيار ، وقالت الزوجة : بل هو بهق فلا خيار ، وقف عليه عدلان من علماء الطب ، وعمل على قولهما فيه ، فإن أشكل كان القول قولها مع يمينها أنه بهق ولا خيار فيه .
فإن قيل : فكيف جعل الشافعي في الجذام والبرص عدوى ، وهذا قول أصحاب الطبائع ، وقد كذبه الشرع ومنع منه ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا عدوى ولا طيرة . فقيل له : أما ترى النكتة من الجرب في شفر البعير فتعدوا إلى سائره وإلى غيره ، فقال صلى الله عليه وسلم : " فمن أعدى الأول " ، أي إذا كان الأول بغير عدوى كان ما بعده ، وفي غيره بغير عدوى .
[ ص: 343 ] قيل : إنما منع الشرع من أن الطبيعة هي التي تحدث العدوى كما يزعم الطب ، ولا يمنع أن الله تعالى قد جعل فيها العدوى كما جعل في النار الإحراق ، وفي الطعام الشبع ، وفي الماء الري ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ، لا يوردن ممرض ذو عاهة على مصح وامتنع من مبايعة الأجذام .
وروى عبد الله بن عباس أن عمر بن الخطاب توجه إلى الشام ، فلما انتهى إلى سرغ تلقاه أمراء الأجناد وأخبروه بحدوث الطاعون بالشام ، فتوقف عن المسير وشاور المهاجرين في المسير أو الرجوع فاختلفوا ، وشاور الأنصار فاختلفوا ، وكان عبد الرحمن بن عوف غائبا عنهم فحضر فشاوره عمر ، فقال عبد الرحمن : إن عندي في هذا علما ، قال عمر : ما هو ؟ قال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ، فحمد إذا سمعتم به في واد فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم فيه فلا تخرجوا منه عمر الله تعالى ورجع ورجع الناس معه .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لبن الحمقى يعدي " .
فأما قوله صلى الله عليه وسلم : " " فالمقصود منه رد قولهم أنه لم يكن إلا من عدوى الأول ، ولولاه ما جربت ، وقال : " فمن أعدى الأول " أي إذا كان الأول من الله تعالى ، يعني عدوى كان ما بعده منه . من أعدى الأول
فإن قيل : فلم أضاف الشافعي العدوى إلى الجذام والبرص ، ولم يضفه إلى الله تعالى .
قيل : على طريق الاستعارة والتوسع في العبارة كما يقال : طالت النخلة ، وقصر الليل ، وأثمرت الشجرة ، وإن كان الله تعالى هو الفاعل لذلك .