الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا كان على إشكاله لم يجز أن يزوج قبل سؤاله واختياره ، فإن تزوج رجلا كان النكاح باطلا : لجواز أن يكون رجلا ، فإن بان امرأة لم يصح لتقدم فساده ، وإن زوج امرأة كان النكاح باطلا : لجواز أن يكون امرأة ، فإن بان رجلا لم يصح لتقدم فساده ، وإذا كان كذلك ولم يبق ما يعتبر من أحواله غير سؤاله عن طباعه الجاذبة له إلى [ ص: 384 ] أحد الجنسين سئل عنها للضرورة الداعية إليها ، كما تسأل المرأة عن حيضها فيرجع فيه إلى قولها ، فإن قال : أرى طبعي يحدثني إلى طبع النساء ، وينفر من طبع الرجال عمل على ما أخبر به من طبعه في أصل الخلقة لا على ما يظهر من تأنيث كلامه أو تذكيره : لأن في الرجال قد يكون مؤنثا يتكلم بكلام النساء ، والمرأة قد تكون مذكرة تتكلم بكلام الرجال .

                                                                                                                                            قال : ولا يعمل على ما يشتهيه ، فإن الرجل قد يشتهي الرجل ، والمرأة قد تشتهي المرأة ، وإنما الطباع المذكورة في أصل الخلقة ، والقائمة في نفس الجبلة النافرة مما اعتادتها بغير تصنع هي المعتبرة ، ويكون قوله فيها هو المقبول إذ قد عدم الاستدلال بغير قوله كالمرأة التي تقبل قولها في حيضها وطهرها ، وإذا كان كذلك قيل له : أخبرنا عن طبعك ، فإذا قال : يجذبني إلى طباع النساء ، قبل قوله بغير يمين : لأنه ليس فيه حق لغيره فيحلف عليه : ولأنه لو رجع لم تقبل منه ، وحكم بأنه امرأة وزوج رجلا ، فإن عاد بعد ذلك فقال : قد استمال طبعي إلى طباع الرجال لم يقبل منه ، وكان على الحكم بما تقدم من كونه امرأة ، وعقد النكاح على صحته ، وإذا علم الزوج بأنه خنثى فله الخيار هاهنا قولا واحدا : لأن الإشكال لم يزل إلا بقوله الذي يجوز أن تكون فيه كما ذكرنا ، وكان أسوأ حالا ممن زال إشكاله بأسباب غير كاذبة ، ولو كان قد قال : هذا الخنثى حين سئل عما يجذبه طبعه إليه أرى طبعي يجذبني إلى طباع الرجال حكم بأنه رجل ، وقبل قوله في نكاحه ، وفيما أخبر به من جميع أحكامه ،وهل يقبل قوله فيما أتهم فيه من ولايته وميراثه أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقبل منه : لتهمته فيه ، وحكاه الربيع عنه .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو المشهور في أكثر كتبه - : أنه يقبل منه : لأن أحكامه لا تتبعض فيجري عليه في بعضها أحكام الرجال ، وفي بعضها أحكام النساء ، وإذا جرى عليه حكم النساء في شيء أجري عليه أحكام النساء في كل شيء ، وإذا جرى عليه حكم الرجال في شيء أجرى عليه حكم الرجال في كل شيء ، وإذا حكم بأنه رجل زوج امرأة ، ولم يقبل منه الرجوع ، وإذا علمت المرأة بحاله ، فلها الخيار في فسخ نكاحه قولا واحدا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية