الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ القول في فساد المهر لجهالته ]

                                                                                                                                            فإذا ثبت صحة النكاح بجهالة المهر وتحريمه ، فالمهر باطل بالجهالة ، وكل جهالة منعت من صحة البيع منعت من صحة المهر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إذا أصدقها عبدا غير معين ولا موصوف ، جاز ، وكان لها عبد سندي : لأن الرومي أعلى ، والزنجي أدنى ، والسندي وسط ، فيحكم لها به : لأنه أوسط العبيد .

                                                                                                                                            احتجاجا بأن المهر أحد عوض النكاح ، فجاز أن يكون مجهولا كالبضع .

                                                                                                                                            قال : ولأن جهالة مهر المثل أكثر من جهالة العبد : لأن مهر المثل مجهول الجنس ، مجهول القدر ، مجهول الصفة ، والعبد معلوم الجنس معلوم القدر ، مجهول الصفة . فإذا جاز أن يجب فيه عندكم مهر المثل فلأن يجب العبد المسمى أولى .

                                                                                                                                            ودليلنا أنها جهالة تمنع صحة البيع فوجب أن تمنع صحة الصداق ، أصله : إذا أصدقها ثوبا وافقنا أبو حنيفة على فساد الصداق بإطلاقه ، ولأنه عوض في عقد يبطل بجهالة الثوب ، فوجب أن يبطل بجهالة العبد كالبيع .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن قياسه على جهالة البضع فهو أن جهالة البضع تمنع من الصحة ، ألا ترى أنه لو كان له ثلاث بنات : كبرى وصغرى ووسطى ، وقال زوجتك بنتي وأطلق ، كان باطلا ، ولم يجز أن يحمل على الوسطى كما لا يجوز أن يحمل على الكبرى والصغرى ، كذلك إذا أصدقها عبدا ، وأطلق ، لم يجز أن يحمل على عبد وسط ، كما لا يجوز أن يحمل على أعلى وأدنى .

                                                                                                                                            وأما ما استشهد به من جهالة مهر المثل ، فيفسد بجهالة الثوب ، ومهر المثل إنما أوجبناه : لأنه قيمة متلف يجوز مثله في البيع إذا وجبت فيه قيمة متلف ، وإن جهلت .

                                                                                                                                            [ ص: 396 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية