الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ القول في صفة التعليم ]

                                                                                                                                            فأما صفة التعليم ، فعليه أن يعلمها السورة آية بعد آية ، حتى إذا حفظت الآية عدل بها إلى ما بعدها حتى تختم السورة .

                                                                                                                                            وليس عليه إذا حفظت السورة أن يدرسها إياها ؛ لأن التدريس من شروط الحفظ لا من شروط التعليم . فلو شرطت عليه حفظ القرآن لم يجز ؛ لأن حفظه إلى الله تعالى لا إليه .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك ، فلها أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلمها ، فتحفظ ما علمها بأيسر تعليم وأسهله ، فهو المقصود وقد وفى ما عليه .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعلمها ، فتتعلم في الحال ، ثم تنسى ما تعلمته ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تتعلم جميع السورة ثم تنساها ، فقد استقر التسليم ووفى ما عليه من التعليم ، فلا يلزمه أن يعلمها ثانية .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يلقنها منه يسيرا لا يختص بالإعجاز كبعض آية ، فالتسليم لم يستقر ، وعليه أن يعلمها .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يعلمها قدر ما يتعلق به الإعجاز ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه تسليم مستقر ؛ لجواز أن يكون هذا القدر بانفراده مهرا ، فعلى هذا لا يلزمه تعليمها ثانية .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه تسليم غير مستقر ؛ لأنه بعض جملة غير متميزة ، فعلى هذا يلزمه تعليمها ثانية .

                                                                                                                                            والحال الثالث : أن يعلمها فتكون بليدة ، قليلة الذهن ، لا تتعلم إلا بمشقة وعناء ، فهذا عيب يكون الزوج فيه مخيرا بين المقام عليه وبين أن يفسخ فيعدل إلى بدله ، وفي بدله قولان :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو القديم - : أجرة مثل التعليم .

                                                                                                                                            والقول الثاني - وهو الجديد - : عليه مهر المثل . وسنذكر توجيه القولين من بعد .

                                                                                                                                            والحالة الرابعة : أن تكون ممن لا تقدر على تعليم القرآن بحال ففي الصداق وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 408 ] أحدهما : باطل ؛ لتعذره وإعوازه ، وفيما تستحقه قولان على ما مضى .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : جائز ، وتأتي بغيرها حتى يعلمه ؛ لأن من له حق إذا عجز عن استيفائه بنفسه استوفاه بغيره ، ولا خيار لها ؛ لأن العيب من جهتها .

                                                                                                                                            وهل للزوج الخيار أم لا على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا خيار له ؛ لأنه تعليم قد استحقته لنفسها فجاز أن تستوفيه بغيرها ، كسائر الحقوق .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : له الخيار في المقام أو الفسخ ؛ لأنه يستلذ من تعليمها ما لا يجوز أن يستلذ من تعليم غيرها ، فإن فسخ ففيما يلزمه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أجرة مثل التعليم .

                                                                                                                                            والثاني : مهر المثل .

                                                                                                                                            فلو أرادت - وهي قادرة على تعليم القرآن - أن تأتيه بغيرها ليعلمها بدلا منها ، فإن راضاها الزوج على ذلك جاز ، وإن امتنع ففي إجباره على ذلك وجهان ، وتعليلهما ما ذكرنا .

                                                                                                                                            ولو لم يعلمها القرآن حتى تعلمته من غيره ، فقد فات أن تستوفيه بنفسها ، فيكون على ما ذكرنا من الوجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : تأتيه بغيرها حتى يعلمها القرآن .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : قد بطل الصداق ، وفيما تستحقه عليه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أجرة مثل التعليم .

                                                                                                                                            والثاني : مهر المثل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية