الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : القسم الثاني : [ أن يطلقها قبل تعليمها ]

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يطلقها قبل أن يعلمها شيئا من القرآن فينظر :

                                                                                                                                            فإن كان التعليم مشروطا في ذمته ، استأجر لها من النساء ومن ذوي محارمها من الرجال من يعلمها على ما تستحقه من القرآن ، على ما سنذكره .

                                                                                                                                            وإن كان التعليم مستحقا عليه في عينه ، فقد اختلف أصحابنا هل يجوز له تعليمها بعد الطلاق أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز من وراء حجاب ، كما يجوز سماع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء الأجانب ، وقد كانت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثن من وراء حجاب .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو الأصح - : لا يجوز ؛ لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : ما في مطاولة كلامها من الافتتان بها .

                                                                                                                                            والثاني : أنهما ربما خلوا ، وهي محرمة عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما .

                                                                                                                                            فإذا قلنا : إن تعليمها لا يجوز ، نظر حال الطلاق ؛ فإن كان بعد الدخول ، رجعت عليه - في قوله القديم - بأجرة المثل ، وفي قوله الجديد بمهر المثل . وإن كان قبل الدخول : رجعت عليه - في قوله القديم - بنصف أجرة المثل ، وفي قوله الجديد بنصف مهر المثل .

                                                                                                                                            وإن قلنا : إنها تعلم القرآن ، لم يخل الطلاق من أن يكون قبل الدخول أو بعده ، فإن كان بعد الدخول فقد استقر لها جميع الصداق ، فعلى هذا يعلمها جميع القرآن .

                                                                                                                                            فلو اختلف ؛ فقال الزوج : قد علمتك القرآن ، وقالت : لم تعلمني ، فلا يخلو حالها من أن تكون حافظة للقرآن في الحال ، أو غير حافظة .

                                                                                                                                            فإن كانت غير حافظة فالقول قولها مع يمينها ، وعليه تعليمها .

                                                                                                                                            وإن كانت حافظة ، وقالت : حفظت من غيرك ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن القول قولها أيضا مع يمينها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن القول قوله مع يمينه ؛ لأن حفظها شاهد على صدقه .

                                                                                                                                            وإن طلقها قبل الدخول ، فلها نصف الصداق ، فعلى هذا اختلف أصحابنا في القرآن هل يتجزأ أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتجزأ في كلماته وحروفه التي جزأها السلف عليها ، فعلى هذا يلزمه أن يعلمها نصف القرآن .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه ، وإن تجزأ في كلماته وحروفه ، فليس يتماثل لما فيه من المتشابه ، وأن بعضه أصعب من بعض ، وسوره أصعب من سوره ، وعشر أصعب من عشر ، وقد روي [ ص: 414 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : شيبتني هود وأخواتها ، فعلى هذا لا يلزمه إذا استحقت النصف أن يعلمها شيئا منه ؛ لتعذر تماثله ، وترجع عليه بنصف أجرة التعليم على قوله في القديم ، وبمثل نصف مهر المثل على قوله في الجديد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية