الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن لم يصبها حتى طلقها ، فلها المتعة ، وقال في القديم : بدلا من العقدة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : المفوضة لبضعها إذا طلقها الزوج قبل الدخول ، فلا مهر لها ، لسقوطه بالعقد وهو اتفاق ، ولها المتعة عندنا .

                                                                                                                                            وبه قال الأوزاعي ، وحماد بن أبي سليمان ، وأبو حنيفة ، وصاحباه .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا متعة لها ، وبه قال شريح ، والليث بن سعد ، وابن أبي ليلى ، والحكم ؛ استدلالا بقول الله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 241 ] . فلما جعله بالمعروف على المتقين ، وقال في موضع آخر : على المحسنين [ البقرة : 236 ] . دل على استحبابه دون وجوبه .

                                                                                                                                            ولأن ما وقعت به الفرقة لم يجب به المتعة كالموت ، ولأن الطلاق مؤثر في سقوط المال دون إلزامه ، كالمسمى لها إذا طلقت قبل الدخول بها .

                                                                                                                                            ودليلنا : قول الله تعالى : ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين [ البقرة : 236 ] .

                                                                                                                                            إحداهن : قوله : " ومتعوهن " وهذا أمر يقتضي الوجوب .

                                                                                                                                            والثانية : قوله : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وذلك في الواجبات دون التطوع .

                                                                                                                                            [ ص: 476 ] والثالثة : قوله حقا والحقوق ما وجبت .

                                                                                                                                            والرابعة : قوله على المحسنين و ( على ) من حروف الإلزام . وقال تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف ، فجعل ذلك لهن بلام التمليك فدل على استحقاقهن له ، ثم قال : بالمعروف فقدره . وما لا يجب فليس بمقدر ، ثم جعله حقا على المتقين فدل على أن من منع فليس بمتق .

                                                                                                                                            فإن قيل : فلم خص المتقين بالذكر ، وهو على المتقين وعلى غيرهم .

                                                                                                                                            قيل : عنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه خصهم بالذكر تشريفا ، وإن كان عام الوجوب ، كما قال : هدى للمتقين [ البقرة : 2 ] .

                                                                                                                                            والثاني : ما حكاه ابن زيد ، أن لنزول هذه الآية سببا وهو أنه لما قال : حقا على المحسنين قال رجل : فإن أحسنت فعلت ، وإن لم أرد أن أحسن لم أفعل ، فأنزل الله تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ، ولأن بوجوب المتعة قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، وليس يعرف لهما في الصحابة مخالف ، فصار إجماعا .

                                                                                                                                            ولأن وقوع الفرقة بالطلاق يمنع من خلو النكاح من بدل كذات المهر .

                                                                                                                                            فأما قياسهم على الموت : فالمعنى في الميتة أنه لم يخل نكاحها من بدل ، فلذلك خلا من متعة ، وليس كذلك المطلقة .

                                                                                                                                            وأما قولهم إن تأثير الطلاق سقوط المال فذاك في ذات المهر ، فأما في غيرها فتأثيره ثبوت المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية