الباب الخامس في المولى عليه
خمسة : الصغر ، والأنوثة ، والجنون ، والسفه ، والرق ، وقد سبق حكم الأولين . الأسباب المقتضية لنصب الولي
السبب الثالث : . فإن كان المجنون كبيرا ، لم يزوج لغير حاجة ، ويزوج للحاجة ، وذلك بأن تظهر رغبته فيهن بدورانه حولهن وتعلقه بهن ونحو ذلك . أو بأن يحتاج إلى من يخدمه ويتعهده ، ولا يجد في محارمه من يحصل هذا ، وتكون مئونة النكاح أخف من ثمن جارية ، أو بأن يتوقع شفاؤه بالنكاح . وإذا جاز تزويجه ، تولاه الأب ، ثم الجد ، ثم السلطان ، دون سائر العصبات ، كولاية المال . وإن كان المجنون صغيرا ، لم يصح تزويجه على الصحيح . وقيل : يزوجه الأب أو الجد ، وطرد الجنون الشيخ أبو محمد الوجهين في الصغير العاقل الممسوح .
ومتى جاز تزويج المجنون ، لم يزوج إلا امرأة واحدة ، والمخبل كالمجنون في النكاح ، وهو الذي في عقله خلل ، وفي أعضائه استرخاء ، ولا حاجة به إلى النكاح غالبا . ويجوز أن يزوج الصغير العاقل أربعا على الأصح . وقيل : لا يجوز أن يزيد على واحدة .
قلت : وفي الإبانة وجه : أنه لا يجوز تزويجه أصلا ، وزعم أنه الأصح ، وهو غلط . [ ص: 95 ] ثم إنما يزوج الصغير العاقل الأب والجد ، ولا يصح تزويج الوصي والقاضي ، لعدم الحاجة وانتفاء كمال الشفقة ، هذا هو الصواب الذي عليه في ، وصرح به الجمهور . وقال في " البيان " : يجوز للوصي والحاكم كالأب ، وليس بشيء . - والله أعلم - . البويطي
فرع
في أوجه . الصحيح : أن الأب - والجد عند عدمه - يزوجانها ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، بكرا أم ثيبا . والثاني : لا يستقلان بتزويج الكبيرة الثيب ، بل يشترط إذن السلطان بدلا عن إذنها . والثالث : لا يزوج الثيب الصغيرة كما لو كانت عاقلة ، والفرق على الصحيح أن البلوغ غاية تنتظر . المجنونة
ثم لا يشترط في تزويجها ظهور الحاجة ، بل يكفي ظهور المصلحة ، بخلاف المجنون ، لأن نكاحها يفيد المهر والنفقة ، ويغرم المجنون .
وسواء التي بلغت مجنونة ، ومن بلغت عاقلة ثم جنت ، بناء على أن من بلغ عاقلا ثم جن ، فولاية ماله لأبيه ، وهو الأصح . وإن قلنا : إنها للسلطان ، فكذا التزويج .
وأما المجنونة التي لا أب لها ولا جد ، فإن كانت صغيرة ، لم تزوج ، إذ لا إجبار لغير الأب والجد ، ولا حاجة لها في الحال . وإن كانت بالغة ، ففيمن يزوجها وجهان . أحدهما : القريب كالأخ والعم ، لكن لا ينفرد به ، بل يشترط إذن السلطان مقام إذنها . فإن امتنع القريب ، زوجها السلطان كما لو عضلها . وأصحهما : يزوجها السلطان كما يلي مالها ، لكن يراجع أقاربها ، لأنهم أعرف بمصلحتها وتطييبا لقلوبهم ، وهذه المراجعة واجبة ، أم مستحبة ؟ وجهان . صحح البغوي الوجوب ، وضعفه الإمام . [ ص: 96 ] فإن أوجبنا المشاورة ، فلم يشيروا بشيء ، استقل السلطان . ويجري الوجهان في وجوب المشاورة في تزويج المجنون . ثم من ولي نكاحها من السلطان أو القريب ، يزوج عند ظهور الحاجة بأن تظهر علامات غلبة شهوتها ، أو يقول أهل الطب : يرجى بتزويجها الشفاء .
أما إذا لم تظهر ، وأراد التزويج لكفاية النفقة ، أو لمصلحة أخرى ، فهل يجوز كما يجوز للأب بمجرد المصلحة ؟ أم لا لأن تزويجها يقع إجبارا وليس هو لغير الأب والجد ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثاني . قال الإمام : واتفق الأصحاب على الاكتفاء بالمصلحة في تزويج الأب والجد .
فرع
، لا يصح تزويجه حتى يفيق فيأذن ، ويشترط وقوع العقد في حال إفاقته . فلو عاد الجنون قبل العقد ، بطل الإذن ، كما تبطل الوكالة بالجنون ، وهكذا الثيب المنقطع جنونها . وأما المغلوب على عقله بمرض ، فتنتظر إفاقته ، فإن لم تتوقع إفاقته ، فكالمجنون . البالغ المنقطع جنونه
السبب الرابع : . فالمحجور عليه لسفه ، لا يستقل بالتزوج ، بل يراجع الولي ليأذن أو يزوجه . فإن أذن له الولي فتزوج ، جاز على الصحيح ، وعن السفه أبي الطيب بن سلمة وغيره : أنه لا يجوز كالصبي .
فعلى الصحيح ، إن عين له امرأة ، لم يصح نكاح غيرها ، ولينكحها بمهر المثل أو أقل . فإن زاد ، فحكى قولا مخرجا : أن النكاح باطل . والمشهور صحته ، لأن خلل الصداق لا يفسد النكاح . فعلى هذا ، تبطل الزيادة ، ويجب مهر المثل . وقال ابن القطان ابن الصباغ : القياس بطلان المسمى ووجوب مهر المثل .
[ ص: 97 ] والفرق أن على التقدير الأول تستحق الزوجة مهر المثل من المعين ، وعلى قوله يجب مهر المثل في الذمة .
وإن قال له الولي : انكح امرأة من بني فلان ، فلينكح واحدة منهن بمهر المثل . ولو قدر المهر ، ولم يعين المرأة ، فقال : انكح بألف ، فلينكح امرأة بألف . فإن كان مهر مثلها ألفا فأكثر ، فالنكاح صحيح بالمسمى . وإن كان أقل ، صح النكاح بمهر المثل ، وسقطت الزيادة . وإن نكح بألفين ، فإن كان مهر مثلها أكثر من ألف ، لم يصح النكاح ، لأن الولي لم يأذن في أكثر من ألف . وفي الرد إلى ألف إضرار بها . وإن كان مهر مثلها ألفا أو أقل ، صح النكاح بمهر المثل ، وسقطت الزيادة . وعن تخريج ابن خيران وابن القطان ، أنه متى زاد على ما أذن به الولي ، بطل النكاح بكل حال . ولو جمع الولي في الإذن بين تعيين المرأة وتقدير المهر ، فقال : انكح فلانة بألف ، فإن كان مهر مثلها دون الألف ، فالإذن باطل . وإن كان ألفا ، فنكحها بألف أو أقل ، صح النكاح بالمسمى . وإن زاد ، سقطت الزيادة . وإن كان مهر مثلها أكثر من ألف ، فإن نكح بألف ، صح النكاح بالمسمى ، وإن زاد ، لم يصح النكاح ، هكذا ذكره البغوي .
أما إذا أطلق الولي الإذن ، فقال : تزوج ، فوجهان . أحدهما : ( وهو ) محكي عن أبوي علي : ، ابن خيران . وعن والطبري الداركي ، أنه يلغو الإذن ، ولا بد من تعيين امرأة ، أو قبيلة ، أو مهر . وأصحهما : يكفي الإطلاق كالعبد . فعلى هذا ، لو تزوج بأكثر من مهر المثل ، صح النكاح ، وسقطت الزيادة . وإن تزوج بمهر المثل أو أقل ، صح النكاح بالمسمى . لكن لو نكح شريفة يستغرق مهر مثلها ماله ، فوجهان حكاهما . اختيار الإمام وبه قطع ابن كج : أنه لا يصح النكاح ، بل يتقيد [ ص: 98 ] بموافقة المصلحة . ذكر الغزالي تفريعا على اعتبار الإذن المطلق وجهين فيما لو عين الولي امرأة فعدل السفيه إلى غيرها ( فنكحها ) بمثل مهر المعينة ، لأنه لا غرض للولي في أعيان الزوجات . ابن كج
فرع
قال : انكح من شئت بما شئت ، ذكر بعضهم أنه يبطل الإذن ، لأنه رفع الحجر بالكلية .
فرع
قال : الإذن للسفيه في النكاح ، لا يفيده جواز التوكيل ، لأنه لم يرفع الحجر . ابن كج
فرع
أما إذا قبل الولي النكاح للسفيه ، ففي اشتراط إذن السفيه وجهان . أحدهما : لا ، لأنه فوض إليه رعاية مصلحته . فإذا عرف حاجته ، زوجه كما يكسوه ويطعمه . وبهذا قال الشيخ أبو حامد والعراقيون . وأصحهما : نعم ، لأنه حر مكلف . وقد نص - رحمه الله - في المختصر : أن السفيه يزوجه وليه ، فربما استأنس به الأولون ، وحمله الآخرون على أصل التزويج ، ثم يراعى شرطه ، ونقل الشافعي الربيع : أنه لا يزوجه وليه ، واتفقوا على أنه ليس اختلاف قول ، بل حمل قوم رواية الربيع على القيم الذي لم يأذن له الحاكم في التزويج ، وبعضهم على ما إذا [ ص: 99 ] لم يحتج السفيه إلى النكاح . ثم إذا قبل له الولي النكاح ، فليقبل بمهر المثل أو أقل ، فإن زاد ، كان كما لو قبل الأب لابنه بأكثر من مهر المثل . ففي قول : يبطل النكاح . والأظهر : أنه يصح بمهر المثل .