الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في نكاحه جارية الابن ، للشافعي ، رضي الله عنه ، في جوازه نصان . قيل : هما قولان بناء على وجوب الإعفاف ، إن لم نوجبه ، جاز ، وإلا فلا . وقطع الجمهور بأنه لا يجوز قطعا . قالوا : ونقل الجواز غلط ، إنما قال [ ص: 213 ] الشافعي : يجوز أن يتزوج جارية أبيه ، فصحف المزني ، ومنهم من تأوله ، على ما إذا كان الابن معسرا لا يجد مئونة الإعفاف وكانت له جارية يحتاج إلى خدمتها ، فيجوز أن يتزوجها الأب ، أو كان الأب مع إعساره صحيح البدن ، فإنا لا نوجب نفقته وإعفافه على قول ، فيجوز أن يتزوجها . والصحيح في هاتين الصورتين ، أنه يبنى جواز نكاحه جارية الابن ، على أنه لو أولد جارية ابنه ، هل تصير مستولدة له ؟ إن قلنا : لا ، جاز ، وإلا فلا . وكذا الحكم إذا قلنا : لا يجب الإعفاف ، هذا كله إذا كان الأب حرا . فلو كان رقيقا ، فله نكاح جارية ابنه ; لأنه لا تجب نفقته ، ولا إعفافه . وإذا استولد الرقيق جارية ابنه ، لم تصر أم ولد له كما سبق .

                                                                                                                                                                        ولو نكح الأب جارية أجنبي ، فملكها الابن ، وكان الأب بحيث لا يجوز له نكاح الأمة ، لم ينفسخ نكاحه على الأصح . ويجري الوجهان فيما لو نكح جارية ابنه ثم عتق ، هل ينفسخ ؟ إن قلنا : لا ينفسخ ، أو جوزنا نكاح جارية ابنه ابتداء فأولدها ، فقال الشيخ أبو حامد والعراقيون ، والشيخ أبو علي والبغوي وغيرهم : لا تصير أم ولد له ; لأنه رضي برق ولده [ حين ] نكحها ، ولأن النكاح حاصل محقق ، فيكون واطئا بالنكاح لا بشبهة الملك ، بخلاف ما إذا لم يكن نكاح . وقال الشيخ أبو محمد ، ومال إليه الإمام : يثبت الاستيلاد وينفسخ النكاح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا يجوز للسيد نكاح جارية مكاتبه لشبهته [ فيها ] . ولو أولد أمة مكاتبه ، [ ص: 214 ] صارت أم ولد للسيد . ولو نكح أمة فملكها مكاتبه ، انفسخ نكاحه على الأصح ; لأن تعلق السيد بملك المكاتب أشد من تعلق الأب .

                                                                                                                                                                        قلت : ويجوز نكاح جارية ابنه من الرضاع ، ونكاح جارية أبيه وأمه قطعا ، لعدم وجوب الإعفاف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية