الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الخامس : في التوكيل ، التوكيل بالتزويج جائز . فإن كان الولي مجبرا ، فله التوكيل بغير إذنها على الصحيح . وقيل : يشترط إذنها ، حكاه الحناطي والقاضي أبو حامد . فعلى هذا ، إن كانت صغيرة ، امتنع التوكيل . فعلى الصحيح : إذا وكل لا يشترط تعيين الزوج على الأظهر . ولو أذنت الثيب في النكاح أو البكر لغير الأب والجد ، ففي اشتراط التعيين القولان . وقيل : لا يشترط قطعا ، لأن الولي يعتني بدفع العار عن النسب ، بخلاف الوكيل . قال الإمام : وظاهر كلام [ ص: 73 ] الأصحاب يقتضي طرد الخلاف وإن رضيت بترك الكفاءة ، لكن القياس تخصيصه بمن لم ترض . فأما من أسقطت الكفاءة ، فلا معنى لاشتراط التعيين فيها . وإذا جوزنا التوكيل المطلق ، فعلى الوكيل رعاية النظر . فلو زوج لغير كفء ، لم يصح على الصحيح . وحكى ابن كج وجها : أنه يصح ، ولها الخيار . فإن كانت صغيرة ، خيرت عند البلوغ .

                                                                                                                                                                        ولو خطب كفآن ، وأحدهما أشرف ، فزوج الآخر ، لم يصح . وإذا جوزنا الإذن المطلق ، فقالت : زوجني ممن شئت ، فهل له تزويجها غير كفء ؟ وجهان ، أصحهما عند الإمام والسرخسي وغيرهما : نعم ، كما لو قالت : زوجني ممن شئت كفئا كان أو غيره . هذا كله إذا كان الولي مجبرا . فإن كان غير مجبر ، لكونه غير الأب والجد ، أو كانت ثيبا ، ففيه صور .

                                                                                                                                                                        إحداها : قالت : زوجني ووكل ، فله كل واحد منهما .

                                                                                                                                                                        الثانية : نهت عن التوكيل ، لا يوكل .

                                                                                                                                                                        الثالثة : قالت : وكل بتزويجي واقتصرت عليه ، فله التوكيل . وهل له أن يزوج بنفسه ؟ وجهان . أصحهما : نعم .

                                                                                                                                                                        الرابعة : قالت : أذنت لك في تزويجي ، فله التوكيل على الأصح ، لأنه متصرف بالولاية . ولو وكل من غير مراجعتها واستئذانها بالكلية ، لم يصح على الصحيح ، لأنه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ . والثاني : يصح . فعلى هذا ، يستأذن الولي أو الوكيل للولي ، ثم يزوج . ولا يجوز أن يستأذن لنفسه . ثم إذا وكل غير المجبر بعد إذن المرأة ، فهل يشترط تعيين الزوج إن أطلقت الإذن ؟ وجهان كما في توكيل المجبر .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : وإذا عينت زوجا ، سواء شرطنا تعيينها ، أم لا ، فليذكره الولي [ ص: 74 ] للوكيل . فإن لم يفعل وزوج الوكيل غيره ، لم يصح . وكذا لو زوجه ، لم يصح على الظاهر ، لأن التفويض المطلق - مع أن المطلوب معين - فاسد . وهذا كما لو قال الولي للوكيل : بع مال الطفل بالعين ، فباع بالغبطة ، لم يصح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قالت : أذنت لك في تزويجي ، ولا تزوجني بنفسك ، قال الإمام : قال الأصحاب : لا يصح هذا الإذن ، لأنها منعت الولي ، وجعلت التفويض للأجنبي ، فأشبه الإذن للأجنبي ابتداء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في " فتاوى " البغوي : أنه إذا لم يكن ولي سوى الحاكم ، فأمر قبل أن يستأذنها رجلا بتزويجها ، فزوجها الرجل بإذنها ، هل يصح النكاح ؟ يبنى على أن استنابة القاضي في شغل معين - كتحليف وسماع شهادة - يجري مجرى الاستخلاف ، أم لا ؟ إن قلنا : نعم ، جاز قبل استئذانها ، وصح النكاح ، وإلا ، فلا يصح على الأصح ، كتوكيل الولي قبل الإذن .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية