الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        ثم في الفصل مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : في الرجوع بالمهر المغروم على الغار قولان كما سبق في العيب ، وأما قيمة الأولاد ، فيرجع بها على الغار على المذهب . وقيل : فيه القولان . وإذا قلنا بالرجوع ، فإنما يرجع إذا غرم كالضامن . فقد سبق في الضامن وجه ضعيف أنه يرجع قبل غرمه ، فيجيء مثله هنا . والصحيح ، المنع . فعلى هذا لو كان المغرور عبدا وعلقنا القيمة بذمته ، فإنما يرجع على الغار بعد عتقه ; لأنه حينئذ يغرم . أما إذا علقناها بكسبه أو برقبته ، وغرم سيده من كسبه ، أو من رقبته ، فيرجع في الحال ، وللمغرور مطالبة الغار بتحصيله ، كما ذكرنا في " باب الضمان " .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : إذا كان المغرور عبدا وقد دخل بالمنكوحة ، فحيث يجب المسمى يتعلق كسبه ، وحيث يجب مهر المثل ، فهل يتعلق بذمته ، أم برقبته ، أم بكسبه ؟ فيه ثلاثة أقوال . أظهرها : الأول .

                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : لا يتصور الغرور بحرية الأمة من السيد ; لأنه متى قال : زوجتك هذه الحرة ، أو على أنها حرة ، عتقت . وإنما يتصور من وكيل السيد في تزويجها ، أو منها ، أو منهما ، ولا اعتبار بقول من ليس بعاقد ولا معقود عليه ، فإن كان الغرور من الوكيل ، رجع المغرور عليه بالقيمة إذا غرمها ، وبالمهر إن أثبتنا الرجوع به . وإن كان الغرور من الأمة المنكوحة ، كان الرجوع عليها ، [ ص: 189 ] لكن لا يرجع في الحال ، بل يتعلق الغرم بذمتها ، تطالب به إذا عتقت ، ولا يتعلق بكسبها قطعا ولا برقبتها على الصحيح ، وسواء كان الرجوع عليها أو على الوكيل ، يرجع بكل المهر ; لأن المهر للسيد وقد أخذه . وإن كان الغرور منها ومن الوكيل ، فالرجوع عليهما .

                                                                                                                                                                        وفي كيفيته وجهان . أصحهما : يرجع بالنصف على الوكيل في الحال ، وبالنصف عليها إذا عتقت . والثاني : أنه له أن يرجع بالجميع على من شاء منهما ، على الوكيل في الحال وعليها بعد العتق ، فإن رجع - هكذا قال البغوي - : يرجع المأخوذ منه بالنصف على الآخر . وقال الحناطي وغيره : لا يرجع واحد منهما على الآخر ; لأن التغرير كامل من كل واحد منهما . ولو ذكرت للوكيل حريتها ، ثم ذكرها الوكيل للزوج ، رجع المغرور على الوكيل والوكيل عليها بعد العتق . وإن ذكرت للوكيل ثم ذكرت للزوج ، فالرجوع عليها وإن ذكر الوكيل للزوج أيضا ; لأنها لما شافهت الزوج خرج الوكيل من الوسط ، هكذا ذكره البغوي . وعلى هذا ، فصورة تغريرهما أن يذكرا معا .

                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : لو خرجت التي غر بحريتها مدبرة أو مكاتبة ، أو أم ولد أو معلقة بصفة ، فالكلام في صحة النكاح ، ثم في إثبات الخيار كما سبق ، إذا كانت قنة ، لكن إذا خرجت مكاتبة وفسخ النكاح ، فلا مهر لها إذا كان الغرور منها ; لأن المهر للمكاتبة فلا معنى للغرم لها والاسترداد منها . وهل يجب أقل ما يجوز أن يكون مهرا ؟ فيه الخلاف السابق في العيب . والأولاد الحاصلون قبل علمه بالحال أحرار ، وعلى المغرور قيمتهم . ولمن تكون القيمة ؟ يبنى على أن ولد المكاتبة قن للسيد أم مكاتب كالأم ؟ وفيه قولان . وإذا قلنا : إنه مكاتب فقتله قاتل ، فهل قيمته للسيد أم للمكاتبة تستعين به في الأداء ؟ فيه قولان فإذا قلنا : الولد للسيد ، أو قلنا : هو مكاتب ، وإذا قتل ، فالقيمة للسيد ، غرم المغرور قيمة الأولاد [ ص: 190 ] للسيد ، ويرجع بها على الوكيل ، وعليها إن غرت ، ويأخذ من كسبها . فإن لم يكن كسب ، ففي ذمتها إلى أن تعتق . وإن قلنا : إن القيمة لها ، فإن كان الغرور منها ، لم يغرم القيمة لها كالمهر ، وإن كان من الوكيل ، غرم لها ورجع على الوكيل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا حكمنا ببطلان النكاح بخلف الشرط ، فالرجوع بمهر المثل إذا غرمه الزوج بالوطء والرجوع بقيمة الأولاد إذا غرمها على ما ذكرناه تفريعا على صحة النكاح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ما ذكرناه من وجوب قيمة الولد ، هو فيما إذا انفصل الجنين حيا . فلو انفصل ميتا ، نظر إن انفصل بغير جناية ، فلا شيء عليه ، ويجيء فيه وجه سبق نظيره في وطء الغاصب جاهلا بالتحريم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية