الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في صفة الكتابية التي ينكحها المسلم

                                                                                                                                                                        وهي ضربان ، إسرائيلية ، وغيرها .

                                                                                                                                                                        [ الضرب ] الأول : التي ليست من بني إسرائيل ، ولها أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن تكون من قوم يعلم دخولهم في ذلك الدين قبل تحريفه ونسخه ، فيحل نكاحها على الأظهر . وقيل : قطعا ، وهؤلاء يقرون بالجزية قطعا . وفي حل ذبائحهم الخلاف كالمناكحة .

                                                                                                                                                                        [ الحال ] الثاني : أن يكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف وقبل النسخ . فإن تمسكوا بالحق منه ، وتجنبوا المحرف منه ، فكالحال الأول . وإن دخلوا في المحرف ، لم تحل مناكحتهم على المذهب ، ويقرون بالجزية على الأصح كالمجوس وأولى للشبهة .

                                                                                                                                                                        ( الحال ) الثالث : أن تكون ممن يعلم دخولهم بعد التحريف والنسخ ، فلا تحل مناكحتهم [ ص: 138 ] قطعا . فالذين تهودوا أو تنصروا بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - لا يناكحون . وفي المتهودين بين نبينا وبين عيسى - عليهما السلام - وجهان . أصحهما : المنع ، ومن جوز كأنه يزعم أنا لا نعلم كيفية نسخ شريعة عيسى لشريعة موسى - صلى الله عليهما وسلم - ، وهل نسخت كلها أو بعضها ، وهؤلاء لا يقرون بالجزية .

                                                                                                                                                                        الرابع : أن تكون من قوم لا يعلم متى دخلوا ، فلا تحل مناكحتهم ، ويقرون بالجزية ، وبذلك حكمت الصحابة - رضي الله عنهم - في نصارى العرب . هكذا أطلقه عامة الأصحاب من المتقدمين والمتأخرين ، وفيه شيء لا بد من معرفته وسنذكره في الفصل الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : الكتابية الإسرائيلية . والذي ذكره الأصحاب في طرقهم ، جواز نكاحها على الإطلاق من غير نظر إلى آبائها أدخلوا في ذلك الدين قبل التحريف أم بعده ؟ وليس كذلك لأنه ليس كل إسرائيلية يلزم دخول آبائها قبل التحريف وإن أشعر به كلام جماعة من الأئمة ، وذلك أن إسرائيل هو يعقوب - صلى الله عليه وسلم - ، وبينه وبين نزول التوراة زمان طويل ، ولسنا نعلم أدخل كل بني إسرائيل على كثرتهم في زمان موسى - صلى الله عليه وسلم - أم بعده قبل التحريف ، بل في القصص ما يدل على استمرار بعضهم على عبادة الأوثان والأديان الفاسدة ، وبتقدير استمرار هذا في اليهود ، فلا يستمر في النصارى ، لأن بني إسرائيل بعد بعثة عيسى - صلى الله عليه وسلم - منهم من آمن به ، ومنهم من صد عنه فأصر على دين موسى . ثم من المصرين من تنصر على تعاقب الزمان قبل التحريف وبعده ، ولكن كأن الأصحاب اكتفوا بشرف النسب وجعلوه جابرا لنقص دخول الآباء في الدين بعد التحريف ، حتى فارق حكمهن حكم غير الإسرائيليات إذا دخل آباؤهن بعد التحريف .

                                                                                                                                                                        وأما الدخول فيه بعد بعثة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، فلا تفارق فيه الإسرائيلية غيرها كما سنوضحه إن شاء الله تعالى . [ ص: 139 ] وكلام الغزالي يقتضي النظر إلى حال الآباء في الإسرائيليات أيضا ، حتى يكون نكاح الإسرائيلية التي دخل أول آبائها في ذلك الدين بعد التحريف على قولين ، كغير الإسرائيلية التي دخل آباؤها فيه قبل التحريف ، لكن كلام الأصحاب يخالفه ، فاعرفه وانظر كيف يمكنك تنزيل كلامه على منقول الأصحاب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الصابئون طائفة تعد من النصارى ، والسامرة طائفة تعد من اليهود . فإن كانوا يخالفون اليهود والنصارى في أصل دينهم ولا يتأولون نص كتابهم ، لم يناكحوا كالمجوس . وإن خالفوهم في الفروع دون الأصول وتأولوا نصوص كتابهم ، جازت مناكحتهم . هذا هو المذهب ، وهو نصه في المختصر وقطع به الجمهور . قال الشيخ أبو علي : وأطلق بعض الأصحاب قولين في مناكحتهم . قال الإمام : لا مجال للخلاف فيمن تكفرهم اليهود والنصارى ، ويخرجونهم عنهم ، لكن يمكن الخلاف فيمن جعلوه كالمبتدع فينا .

                                                                                                                                                                        وإذا شككنا في جماعة أيخالفونهم في الأصول أم الفروع ؟ لم نناكحهم . والصابئون - فيما نقل - فرقتان ، فرقة توافق النصارى في أصول الدين ، وفرقة تخالفهم ، وهم الذين أفتى الإصطخري بقتلهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية