الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثاني : عصوبة من على حاشية النسب ، كالأخ والعم وبنيهما ، فلا تزوج بها الصغيرة بكرا كانت أو ثيبا . وأما البالغة ، فإن كانت ثيبا ، فلهم تزويجها بإذنها الصريح . وإن زوجت بغير رضاها ، لم ينعقد . وإن كانت بكرا ، فلهم تزويجها إذا استأذنوها . وهل يكفي سكوتها ، أم يشترط صريح نطقها ؟ وجهان . أصحهما : الأول . وحكي وجه : أنه لا حاجة للاستئذان أصلا ، بل إذا عقد بين يديها ولم تنكر ، كان رضى . والصحيح الاشتراط . وإذا اكتفينا بالسكوت ، حصل الرضى ، ضحكت ، أم بكت ، إلا إذا بكت مع الصياح وضرب الخد ، فلا يكون رضى . [ ص: 56 ] وإذا أراد الأب تزويج البكر بغير كفء ، فاستأذنها ، فهل يكفي السكوت ؟ فيه الوجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : ونقل الرافعي في آخر " كتاب النكاح " عن فتاوى القاضي حسين الجزم بصحة النكاح إذا استأذنها ولي في تزويجها بغير كفء فسكتت . قال صاحب " البيان " : قال أصحابنا المتأخرون : إذا استأذن الولي البكر في أن يزوجها بغير نقد البلد ، أو بأقل من مهر المثل ، لم يكن سكوتها إذنا في ذلك . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أزوجك بشخص ؟ فسكتت ، قال بعض المتأخرين : الأليق بمذهبنا أنه لا يكون رضى ، لأن الرضا بالمجهول لا يتصور . ولك أن تقول : هذا يخرج على أنه يشترط تعيين الزوج في الإذن . والأصح أنه ليس بشرط ، فلا يضر الجهل إذا اكتفينا بالسكوت .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الذي أورده الرافعي ، هو الصواب . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أيجوز أن أزوجك ؟ فقالت : لم لا يجوز ؟ أو قال : أتأذنين ؟ فقالت : لم لا آذن ؟ حكى بعضهم : أنه ليس بإذن ، ولك أن تقول : هذا مشعر برضاها ، فهو أولى من سكوتها .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار أنه إذن . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        [ ص: 57 ] فرع

                                                                                                                                                                        قالت : وكلتك بتزويجي ، فالذي لقيناهم من الأئمة لا يعدونه إذنا ، لأن توكيل المرأة في النكاح باطل ، لكن المسألة غير مسطورة ، ويجوز أن يعتد به إذنا ، كما إذا فسدت الوكالة ، نفذ التصرف بالإذن .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا عجب من الإمام الرافعي ، والمسألة منصوصة للشافعي . قال صاحب " البيان " : يجوز للمرأة أن تأذن لوليها غير المجبر بلفظ ( الإذن ) ، ويجوز بلفظ الوكالة ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - ، لأن المعنى فيهما واحد ، فهذا هو الصواب نقلا ودليلا . ولو أذنت له ، ثم رجعت ، لم يصح تزويجها ، كالموكل إذا عزل الوكيل ، فإن زوجها الولي بعد العزل قبل العلم ، ففي صحته وجهان بناء على بيع الوكيل . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في " فتاوى " البغوي : أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدة : أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي أو انقضت عدتي ، فينبغي أن يصح الإذن ، كما لو قال الولي للوكيل : زوج بنتي إذا فارقها زوجها أو انقضت عدتها . وفي هذا التوكيل وجه ضعيف : أنه لا يصح ، وقد سبق في الوكالة . وفيها أنه لو قيل للبكر : رضيت بما تفعله أمك ؟ وهي تعرف أنهم يعنون النكاح ، فقالت : رضيت ، لم يكن إذنا ، لأن الأم لا تعقد ، بخلاف ما لو قالت : رضيت بما يفعل الولي . ولو قالت : رضيت بالتزويج بمن تختاره أمي ، جاز . ولو قالت : [ ص: 58 ] رضيت إن رضيت أمي ، لا يجوز . ولو قالت : رضيت إن رضي وليي . فإن أرادت التعليق ، لم يجز . وإن أرادت : إني رضيت بما يفعله الولي ، كان إذنا . وفيها : لو أذنت في التزويج بألف ، ثم قيل لها عند العقد : بخمسمائة ، فسكتت وهي بكر ، كان سكوتها إذنا في تزويجها بخمسمائة . ولو قيل ذلك لأمها وهي حاضرة ، فسكتت ، لم يكن إذنا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية