الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السادسة : في بيان ما ينزل عليه الدرهم . إذا علق الطلاق بإعطائه ، وما يقبل تفسيره ، وقد سبق في " الزكاة والإقرار " قدر الدرهم الإسلامي ، واسم الدرهم هنا يقع على ذلك القدر من الفضة الخالصة المضروبة ، سواء كان نوعه جيدا ، أو رديئا ، لسواد أو خشونة أو غيرهما .

                                                                                                                                                                        فإذا قال : إن أعطيتني ألف درهم ، فأنت طالق ، طلقت بأي نوع أعطته . لكن إذا كان في البلد نقد غالب ، فأتت بغيره ، طولبت به ؛ لأن المعاملات تنزل على النقد الغالب ، والخلع فيما يتعلق بالمال كسائر المعاملات .

                                                                                                                                                                        وفي قول : يرجع بمهر المثل ، والمشهور الأول .

                                                                                                                                                                        وإن قلنا بالرجوع إلى مهر المثل ، فالمعطى غير مملوك ، وإن قلنا بالرجوع إلى الغالب ، فالمعطى مملوك للزوج ، وله رده والمطالبة بالغالب .

                                                                                                                                                                        وذكر في " الوسيط " : أنه لا يملكه ويجب الإبدال ، والصحيح الأول . ثم العادة الغالبة ، إنما تؤثر في المعاملات ، لكثرة وقوعها ورغبة الناس فيما يروج هناك ، ولا تؤثر في الإقرار والتعليق ، بل يبقى اللفظ على عمومه فيهما . أما في التعليق ، فلقلة وقوعه ، وأما [ ص: 410 ] في الإقرار ، فلأنه إخبار عن وجوب سابق ، وربما تقدم الوجوب على الضرب الغالب ، أو وجوب في بقعة أخرى .

                                                                                                                                                                        ولو قال : طلقتك على ألف ، فهذا ليس بتعليق ، فينزل على الغالب على قاعدة المعاملات .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو كان الغالب في البلد دراهم عددية ناقصة الوزن أو زائدته ، لم ينزل الإقرار والتعليق عليها ؛ لأن الغلبة لا تؤثر فيهما ، واللفظ صريح في الوازنة ، وفي تنزيل البيع والمعاملات عليها وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : المنع ؛ لأن اللفظ صريح في القدر المذكور ، والعرف لا يغير المسمى وإن كان يخص بعض الأنواع .

                                                                                                                                                                        وأصحهما : التنزيل عليهما ؛ لأنها التي تقصد في مثل هذه البلدة . وفي قبول تفسير المقر بالناقص خلاف وتفصيل سبق في الإقرار .

                                                                                                                                                                        ولو فسر المعلق بالدراهم المعتادة ، فإن كانت زائدة ، قبل على المذهب ، وإن كانت ناقصة ، قبل قطعا ؛ لأنه توسيع لباب الطلاق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو أتت بدراهم مغشوشة ، فإن كان الغالب في البلد المغشوشة ، فقد أطلق الغزالي أنه لا ينزل اللفظ عليها ، فلا يقع الطلاق إلا إذا أعطته الخالصة ، لكن تسترد ما أعطته وتعطيه مغشوشة .

                                                                                                                                                                        ومن قال بهذا قال : التفسير بالمغشوشة كالتفسير بالناقصة . فإن قلنا : التفسير بهما ، فهل تراجعه ليعبر عن مقصوده ، أم تأخذ بالظاهر إلا أن يفسر ؟ فيه احتمالان في " البسيط " .

                                                                                                                                                                        [ ص: 411 ] قلت : أفقههما : الثاني . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وقطع المتولي والبغوي ، بأن اللفظ ينزل على المغشوشة ، ويقع الطلاق إذا أعطت مغشوشة ، وهل تسلم له الدراهم بذلك ؟ قال المتولي : يبنى على جواز المعاملة بالمغشوشة .

                                                                                                                                                                        إن لم نجوزها ، رد الدراهم ولزمها مهر المثل ، وإلا سلمت له الدراهم ، ويشبه أن يكون ما ذكره الغزالي أصح . أما إذا كان الغالب في البلد الدراهم الخالصة ، فلا تطلق إلا إذا أعطت ما تبلغ نقرته ألفا .

                                                                                                                                                                        وفي وجه لا يقع الطلاق وإن بلغته ، كما لو أعطته سبيكة . فإن قلنا بالصحيح وهو الوقوع ، فهل يملك الزوج المدفوع إليه ؟ وجهان . أحدهما : لا ؛ لأن المعاملة تنزل على الغالب .

                                                                                                                                                                        والثاني : [ نعم ] ؛ لأن قبضها اعتبر في وقوع الطلاق ، وكذا في إفادة الملك ، لكن له الرد بسبب العيب . فإذا رد ، رجع إلى مهر المثل على الأظهر ، وإلى ألف خالصة في قول .

                                                                                                                                                                        ولك أن تقول : ينبغي أن لا يملك الغش نفسه في هذه الصورة ؛ لأنه إذا بلغت الفضة الخالصة ألفا ، بقي الغش شيئا آخر مضموما ، فلا يملكه كما لو ضمت إلى الألف ثوبا .

                                                                                                                                                                        قلت : ظاهر كلام القائل بالملك ، أنه لا ينظر إلى الغش لحقارته في جنب الفضة ، ويكون تابعا كما سبق في مسألة نعل الدابة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وأما المعاملة بالدراهم المغشوشة ، فذكرناها في كتابي الزكاة والبيع ، والأصح الجواز .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية