الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في الأنكحة الجارية في الشرك ثلاثة أوجه ، كذا نقلها الأكثرون ، وسماها الغزالي أقوالا ، والصحيح أنها محكوم بصحتها ، قال الله تعالى : ( وامرأته حمالة الحطب )

                                                                                                                                                                        [ اللهب : 4 ] ( وقالت امرأة فرعون )

                                                                                                                                                                        [ القصص : 9 ] ولأنهم لو ترافعوا إلينا لم نبطله قطعا ، ولم نفرق بينهم ، وإذا أسلموا أقررناهم ، والفاسد لا ينقلب صحيحا ولا يقرر عليه . والثاني : أنها فاسدة ، لعدم مراعاتهم الشروط ، لكن لا نفرق لو ترافعوا ، رعاية للعهد والذمة ، ونقرهم بعد الإسلام تخفيفا .

                                                                                                                                                                        والثالث : لا نحكم بصحة ولا فساد ، بل نتوقف إلى الإسلام ، فما قرر عليه ، بانت صحته ، وما لا ، ففساده . ومن الأصحاب من قطع بالصحة . وإذا ثبت الخلاف ، فهل هو مخصوص بالعقود التي يحكم بفساد مثلها في الإسلام ؟ أم يجري في كل عقودهم ؟ مقتضى كلام المتولي وغيره : التخصيص . وقال الإمام : من يحكم بفساد أنكحتهم ، يلزمه أن لا يفرق بين ما عقدوه بشروطنا وغيره . والمصير إلى بطلان نكاح يعقد على وفق الشرائع كلها ، مذهب لا يعتقده ذو حاصل .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب التخصيص ، بل لم يصرح أحد بطرده في الجميع ، وليس في كلام الإمام إثبات نقل طرده ، وإنما ألزمه إلزاما لهم الانفصال عنه بأن الظاهر إخلالهم بالشروط ، فإن تصور علمنا باجتماعها ، حكمنا بالصحة قطعا . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        ويبنى على الأصل المذكور مسألتان .

                                                                                                                                                                        إحداهما : طلق كافر زوجته ثلاثا ثم أسلما . فإن قلنا بالصحيح وهو صحة [ ص: 151 ] أنكحتهم ، لا تحل إلا بمحلل ، وهذا هو نصه في المختصر . وإن قلنا بالفساد ، فالطلاق في الفاسد لا يحوج إلى محلل ، فإذا قلنا بالصحيح ، فنكحت هذه المطلقة زوجا في الشرك ، ووطئها ثم طلقها ، ثم أسلمت فتزوجها الأول بعد إسلامه ، حلت ، وكذا يحصل التحليل للمسلم بنكاح ذمي أو حربي كتابية طلقها المسلم ثلاثا .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : التي يقرر نكاحها بعد الإسلام ، لها المهر المسمى إن كان صحيحا . فإن كان خمرا ونحوها ، فسيأتي حكم مهورهم الفاسدة إن شاء الله تعالى . ومن اندفع نكاحها بإسلام الزوج ، إن لم تكن مدخولا بها ، وصححنا أنكحتهم ، فلها نصف المسمى إن كان صحيحا . وإن كان فاسدا ، فنصف مهر المثل . وإن لم يسم شيئا ، وجب المتعة . ومن اندفعت بإسلامها ، فلا شيء لها على المشهور . وقيل : قولان . ثانيهما : وجوب نصف المهر ، لأنها محسنة بالإسلام ، فهي في معنى من ينسب الفراق إلى تخلفه . وإن أفسدنا أنكحتهم ، فلا مهر مطلقا ، لأن المهر لا يجب في الفاسد بلا دخول . وإن كانت مدخولا بها ، وصححنا أنكحتهم ، وجب المسمى إن كان صحيحا . وإن أفسدناها ، فمهر المثل . ثم عن القفال ، أن من صور الاندفاع من نكح محرما له ثم أسلم ، وجعل وجوب نصف المهر على الخلاف . ورأى الإمام القطع بأنه لا شيء للمحرم من المهر . قال : ولا نقول : انعقد العقد عليها ثم انفسخ بالإسلام ، وإنما ذلك في الأخت المفارقة من الأختين وفي الزائدات على أربع . والموافق لإطلاق غير الإمام موافقة القفال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نكح مشرك أختين ، فطلقهما ثلاثا ثلاثا ، ثم أسلم وأسلمتا ، قال الأصحاب : إن صححنا أنكحتهم ، نفذ الطلاق فيهما ، ولم ينكح واحدة منهما إلا بمحلل . وإن [ ص: 152 ] أفسدناها ، فلا نكاح ولا طلاق ، ولا حاجة إلى محلل فيهما . وإن توقفنا ، فلو لم يكن طلاق ، لاختار إحداهما وبان بذلك صحة نكاحها وفساد نكاح الأخرى ، فإذا طلقهما ، أمر بالاختيار لينفذ الطلاق في المنكوحة ، ويحتاج إلى محلل لها دون الأخرى . ولو أسلم مع أختين ، ثم طلق كل واحدة ثلاثا ، فهنا يتخير قطعا ، لأنهم لما أسلموا اندفع نكاح واحدة ، وإنما ينفذ الطلاق في المنكوحة . ولو أسلم قبلهما ، أو أسلمتا قبله ، تخير قطعا ، لأنه والحالة هذه لا يمسك إلا إحداهما ، وينفسخ نكاح الأخرى من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم . ولو كان تحته أكثر من أربع ، فطلقهن ثلاثا ثلاثا ، ثم أسلموا ، فعلى الصحيح ينفذ الطلاق فيهن كلهن ، وعلى التوقف ، يختار أربعا فينفذ فيهن دون الباقيات . قال الشيخ أبو علي : ولو كان عنده حرة وأمة ، فطلقهما ثلاثا ثلاثا ، ثم أسلموا ، لم يجز له نكاح واحدة إلا بمحلل . ولو أسلموا ، ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا ، وقع الثلاث على الحرة ، لأنها متعينة ، وتندفع الأمة ، ولا يحتاج فيها إلى محلل . وكذا لو أسلمتا ثم طلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلم أو أسلم فطلقهما ثلاثا ثلاثا ثم أسلمتا ، لأن الإسلام لما جمع الجميع ، بان اندفاع الأمة من وقت إسلام من تقدم إسلامه منهم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية