فصل
في الانتقال من دين إلى دين
هو ثلاثة أقسام .
[ القسم ] الأول : من دين باطل إلى دين باطل ، وهو ثلاثة أضرب .
[ ص: 140 ] أحدها : الانتقال من دين يقر أهله عليه إلى ما يقر أهله عليه ، كتهود نصراني وعكسه ، فهل يقر على ما انتقل إليه بالجزية ، أم لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي انتقل منه ؟ فيه ثلاثة أقوال . أظهرها : الأول ، ثم الثاني .
قلت : الأصح ، لا يقبل منه إلا الإسلام . - والله أعلم - .
فعلى الأول ، تحل ذبيحته . وإن كانت امرأة ، حل للمسلم نكاحها . وإن كانت منكوحة مسلم ، استمر نكاحه . وإن قلنا : لا يقر ، لم تحل ذبيحته ولا نكاحها . وإذا انتقلت منكوحة مسلم ، فكردة المسلمة ، فتتنجز الفرقة قبل الدخول وتقف على انقضاء العدة بعده . وإذا قلنا بالقول الثاني والثالث ، وامتنع من الإسلام أو منه ومن الدين الذي انتقل منه ، فقولان . أحدهما : يقتل كالمرتد ، وأشبههما : يلحق بمأمنه كمن نبذ العهد . ثم هو حرب لنا ، إن ظفرنا به قتلناه . ولو تمجس يهودي أو نصراني ، ففي تقريره وعدمه وما يقبل منه الأقوال . وقيل : يمنع التقرير قطعا ، لكونه دون دينه الأول . فإن لم نقره ، وأبى الرجوع ، ففي القتل والإلحاق بالمأمن القولان . وعلى كل حال ، لا تحل ذبيحته ولا نكاحها . وإن كانت منكوحة مسلم ، تنجزت الفرقة إن كان قبل الدخول ، وإلا ، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة ، أو عادت إلى دينها وقنعنا به ، دام النكاح ، وإلا بان حصول الفرقة من وقت الانتقال . ولو تمجست كتابية تحت كتابي ، فإن كانوا لا يجوزون نكاح المجوس ، فكتمجسها تحت مسلم ، وإلا ، فنقرهما إذا أسلما . ولو تهود أو تنصر مجوسي ، ففي التقرير الأقوال ، فإن منعناه ، فالتفريع كما سبق ، ولا تحل ذبيحته ونكاحها بحال ، لأن الانتقال من باطل إلى باطل لا يفيد فضيلة .
الضرب الثاني : انتقال مما يقر عليه إلى ما لا يقر ، كتوثن يهودي أو نصراني [ ص: 141 ] فلا يقر قطعا . وهل يقنع بعوده إلى ما انتقل منه أو دين يقر أهله عليه ، أم لا يقبل إلا الإسلام أو ما انتقل منه ، أم لا يقبل إلا الإسلام ؟ فيه ثلاثة أقوال . وإن كان هذا الانتقال من كتابية تحت مسلم ، انفسخ نكاحها إن لم يدخل . وإن دخل فعادت إلى ما يقبل قبل انقضاء العدة ، استمر نكاحها ، وإلا ، تبين الفراق من وقت الانتقال . ولو توثن مجوسي ، لم يقر ، وفيما يقنع به الأقوال .
الضرب الثالث : عكس الثاني ، كتهود وثني وتنصره وتمجسه ، فلا يقر ، ولا يقبل منه إلا الإسلام قطعا كالمرتد ، لأنه كان لا يقر فلا يستفيده بباطل . وإذا تأملت حكم هذه الأضرب ، علمت أن الانتقال من دين باطل إلى باطل ، يبطل الفضيلة التي كانت في الأول ، ولا يفيد فضيلة لم تكن في الأول ، ولكن تبقى الفضيلة التي يشترك فيها الدينان إن قلنا بالتقرير . وعلمت أن كلامهم المطلق في الفصل السابق : أن من دخل في التهود والتنصر بعد النسخ والتبديل لا يناكح ولا يقر بالجزية ، غير مستمر على إطلاقه ، لأن من تهود أو تنصر اليوم فقد دخل في ذلك الدين بعد النسخ والتبديل ، وقد بينا الخلاف في مناكحته وتقريره بالجزية إذا كان الدخول من دين يقر أهله عليه ، فإذا إطلاقهم هناك وجزمهم بالمنع محمول على ما إذا كان الدخول فيه من دين لا يقر أهله كالوثنية ، وهذا هو البيان الذي سبق الوعد به .
فرع
إذا قبلنا رجوعه إلى غير الإسلام ، في هذه الصورة لا نقول له : أسلم أو عد إلى ما كنت عليه ، بل نأمره بالإسلام ، لكن نتركه إذا عاد إلى غيره .
القسم الثاني : الانتقال من دين حق إلى باطل ، وهو ردة المسلم والعياذ بالله ، فلا يقبل منه إلا الإسلام ، فإن أبى قتل كما سيأتي في بابه إن شاء الله تعالى ، [ ص: 142 ] ولا يحل نكاح المرتد لأحد . وإذا ارتد الزوجان أو أحدهما قبل الدخول ، تنجزت الفرقة ، وبعده نقف على العدة . فإن جمعهما الإسلام قبل انقضائها ، استمر النكاح ، وإلا ، بان حصول الفرقة من وقت الردة . وفي مدة التوقف ، لا يحل الوطء ، فلو وطئ ، فلا حد ، وتجب العدة ، وهما عدتان من شخص ، فهو كوطء مطلقته في عدته ، واجتماعهما في الإسلام هنا كرجعته هناك ، فيستمر النكاح إذا جمعهما الإسلام في الحالات التي يحكم فيها بثبوت الرجعة هناك . ولو طلقها في مدة التوقف ، أو ظاهر منها ، أو آلى توقفنا . فإن جمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة ، تبينا صحتها ، وإلا ، فلا . وليس للزوج إذا ارتدت أن ينكح أختها في مدة التوقف ، ولا أربعا سواها ، ولا أن ينكح أمة . فإن طلقها ثلاثا في مدة التوقف ، أو خالعها ، جاز له ذلك ، لأنها إن لم تعد إلى الإسلام ، فقد بانت بنفس الردة ، وإلا ، فبالطلاق ( أو الخلع ) .
القسم الثالث : الانتقال من دين باطل إلى حق ، وهو باب نكاح المشرك الآتي إن شاء الله تعالى .
فرع
من ، يقر بالجزية على المذهب . وأما مناكحته ومناكحة من أحد أبويه مجوسي والآخر يهودي أو نصراني أو ذبيحته ، فإن كانت الأم هي الكتابية ، لم يحل قطعا ، وكذا إن كان هو الأب على الأظهر ، هذا في صغر المتولد منهما . فأما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي منهما ، فقال أحد أبويه كتابي والآخر وثني - رضي الله عنه - : تحل مناكحته وذبيحته . فمن الأصحاب من أثبت هذا قولا ، ومنهم من قال : لا أثر لبلوغه ، وحمل النص على ما إذا كان أحد أبويه يهوديا والآخر نصرانيا ، فبلغ واختار دين أحدهما . ولو تولد بين يهودي ومجوسية ، فبلغ واختار التمجس ، [ ص: 143 ] فعن الشافعي القفال أنه يمكن منه ، ويجري عليه حكم المجوس . وقال الإمام : لا يمتنع أن يقال : إذا أثبتنا له حكم اليهود في الذبيحة والمناكحة أن نمنعه من التمجس إذا منعنا انتقال الكافر من دين إلى دين .