الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1030 115 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة، عن عاصم وحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث الوجه الذي قررناه.

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله، وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: " موسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي ، وقد تكرر ذكره.

                                                                                                                                                                                  الثاني: " أبو عوانة " اسمه الوضاح اليشكري .

                                                                                                                                                                                  الثالث: عاصم بن سليمان الأحول مر في كتاب الوضوء.

                                                                                                                                                                                  الرابع: حصين بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن السلمي .

                                                                                                                                                                                  الخامس: عكرمة .

                                                                                                                                                                                  السادس: عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده:

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه القول في موضعين. [ ص: 115 ] وفيه أن شيخه بصري، والثاني واسطي، والثالث بصري، والرابع كوفي، والخامس مدني. وفيه واحد بكنيته، وثلاثة بلا نسبة. وفيه أبو عاصم يروي عن اثنين. وفيه ثلاثة من التابعين، وهم عاصم ، وحصين ، وعكرمة .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه، ومن أخرجه غيره:

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في المغازي، عن عبدان ، عن عبد الله ، وعن أحمد بن يونس ، عن ابن شهاب ، كلاهما عن عاصم وحده.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود في الصلاة، عن محمد بن العلاء ، وعثمان بن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي فيه، عن هناد ، عن أبي معاوية ، وقال: حسن صحيح.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه ابن ماجه فيه، عن محمد بن عبد الملك .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه:

                                                                                                                                                                                  قوله " أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم " كانت إقامته بمكة على ما رواه البخاري في المغازي من وجه آخر عن عاصم .

                                                                                                                                                                                  قوله " تسعة عشر " أي يوما بليلته.

                                                                                                                                                                                  قوله " يقصر " جملة حالية.

                                                                                                                                                                                  قوله " تسعة عشر " أي يوما.

                                                                                                                                                                                  قوله " قصرنا " أي الصلاة الرباعية.

                                                                                                                                                                                  قوله " وإن زدنا " أي على تسعة عشر يوما أتممنا الصلاة أربعا.

                                                                                                                                                                                  ذكر الأحاديث المختلفة في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة ، والجمع بينها:

                                                                                                                                                                                  ففي حديث أنس رواه الستة: أنه أقام بها عشرا. وفي حديث " ابن عباس " المذكور: أنه قام بها تسعة عشر يوما بتقديم التاء المثناة من فوق على السين. وفي رواية لأبي داود من حديث ابن عباس : سبعة عشر يوما بتقديم السين على الباء الموحدة، وإسناده صحيح. وفي رواية لأبي داود ، والنسائي ، وابن ماجه : خمسة عشر يوما. وفي حديث ابن عباس أيضا. وفي حديث عمران بن حصين أخرجه أبو داود : ثماني عشرة ليلة.

                                                                                                                                                                                  والجمع بينها أن حديث أنس في حجة الوداع، ولم تكن إقامته للعشرة بنفس مكة ، وإنما المراد إقامته بها مع إقامته بمنى إلى حين رجوعه، فإنه دخلها صبح رابعة كما ثبت في " الصحيح " في حديث جابر ، فأقام بها ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج منها إلى منى يوم الثامن، فأقام بمنى ثلاثة أيام الرمي الثلاثة، وآخرها الثالث عشر.

                                                                                                                                                                                  وأما حديث ابن عباس وعمران بن حصين ، فالمراد بهما دخوله في فتح مكة ، وقد جمع بينهما البيهقي بأن من روى تسعة عشر عد يومي الدخول والخروج، ومن روى سبعة عشر تركهما، ومن روى ثمانية عشر عد أحدهما، وأما رواية خمسة عشر فقال النووي في " الخلاصة ": إنها ضعيفة مرسلة.

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس كذلك ; لأن رواتها ثقات، رواه أبو داود ، وابن ماجه من طريق ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، فإن قال النووي : تضعيفه لأجل ابن إسحاق ، فابن إسحاق لم ينفرد به، بل رواه النسائي من رواية عراك بن مالك ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، وهذا إسناد جيد، ومن حفظ زيادة على ذلك قبل منه ; لأنه زيادة ثقة، والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                  ذكر الاختلاف عن عكرمة : روى عنه عاصم ، وحصين ، عن ابن عباس "تسعة أشهر" كما في حديث الباب، وكذا أخرجه ابن ماجه .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي بلفظ: سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا، فصلى تسعة عشر يوما ركعتين ركعتين . ورواه عباد بن منصور ، عن عكرمة قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح تسع عشرة ليلة يصلي ركعتين ركعتين . أخرجه البيهقي ، واختلف على عاصم ، عن عكرمة ، فرواه ابن المبارك ، وابن شهاب ، وأبو عوانة في إحدى الروايتين: تسع عشرة، ورواه خلف بن هشام ، وحفص بن غياث ، فقالا: سبع عشرة. واختلف على أبي معاوية ، عن عاصم ، وأكثر الروايات عنه: تسع عشرة. رواها عنه أبو خيثمة ، وغيره، ورواه عثمان بن أبي شيبة ، عن أبي معاوية ، فقال: سبع عشرة، واختلف على أبي عوانة ، فرواه جماعات عنه عنهما، فقال: تسع عشرة، ورواه لوين ، عن أبي عوانة عنهما، فقال: سبع عشرة. ورواه المعلى بن أسد ، عن أبي عوانة ، عن عاصم ، فقال: سبع عشرة. قال البيهقي : وأصح الروايات عندي تسع عشرة ، وهي التي أوردها البخاري ، وعبد الله بن المبارك أحفظ من رواه عن عاصم ، ورواه عبد الرحمن الأصبهاني ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر .

                                                                                                                                                                                  ذكر اختلاف الأقوال في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها لزمه الإتمام ، وهو على اثنين وعشرين قولا:

                                                                                                                                                                                  الأول: ذكر ابن حزم ، عن سعيد بن جبير أنه قال: إذا وضعت رجلك بأرض فأتم . وهو في " المصنف "، عن عائشة ، وطاوس بسند صحيح. قال: وحدثنا عبد الأعلى ، عن داود ، عن أبي العالية قال: إذا اطمأن صلى أربعا . يعني نزل. وعن ابن عباس بسند صحيح مثله.

                                                                                                                                                                                  الثاني: إقامة يوم وليلة، حكاه ابن عبد البر عن ربيعة .

                                                                                                                                                                                  الثالث: ثلاثة أيام، قاله ابن المسيب في مثله.

                                                                                                                                                                                  الرابع: [ ص: 116 ] أربعة أيام، روي عن الشافعي ، وأحمد ، وروى مالك ، عن عطاء الخراساني أنه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع على إقامة أربع ليال، وهو مسافر أتم الصلاة . قال مالك : وذلك أحب ما سمعت إلي، وقال الشافعي : لا يحسب يوم ظعنه ولا يوم نزوله، وحكى إمام الحرمين ، عن الشافعي : أربعة أيام ولحظة.

                                                                                                                                                                                  الخامس: أكثر من أربعة أيام. ذكره ابن رشد في القواعد، عن أحمد وداود .

                                                                                                                                                                                  السادس: أن ينوي إقامة اثنين وعشرين صلاة. قال ابن قدامة في " المغني ": هو مذهب أحمد .

                                                                                                                                                                                  السابع: عشرة أيام، روي عن علي بن أبي طالب من حديث محمد بن علي بن حسين عنه، والحسن بن صالح ، وأحمد بن علي بن حسين ، رواه ابن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                  الثامن: اثنا عشر يوما، قال أبو عمر : روى مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه أنه كان يقول: أقل صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا اثنتا عشرة ليلة . قال: وروي عن الأوزاعي مثله. ذكره الترمذي في " جامعه ".

                                                                                                                                                                                  التاسع: ثلاثة عشر يوما، قال أبو عمر : روي ذلك عن الأوزاعي .

                                                                                                                                                                                  العاشر: خمسة عشر يوما، وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه، والثوري ، والليث بن سعد ، وحكاه ابن أبي شيبة ، عن ابن المسيب بسند صحيح، قال: وحدثنا عمر بن ذر ، عن مجاهد : كان ابن عمر إذا أجمع على إقامة خمس عشرة يوما صلى أربعا .

                                                                                                                                                                                  الحادي عشر: ستة عشر يوما، وروي عن الليث أيضا.

                                                                                                                                                                                  الثاني عشر: سبعة عشر يوما، وهو قول الشافعي أيضا.

                                                                                                                                                                                  الثالث عشر: ثمانية عشر يوما، وهو قول الشافعي أيضا.

                                                                                                                                                                                  الرابع عشر: تسعة عشر يوما، قاله إسحاق بن إبراهيم فيما ذكره الطوسي عنه.

                                                                                                                                                                                  الخامس عشر: عشرون يوما، قاله ابن حزم .

                                                                                                                                                                                  السادس عشر: يقصر حتى يأتي مصرا من الأمصار، قال أبو عمر : قاله الحسن بن أبي الحسن ، قال: ولا أعلم أحدا قاله غيره.

                                                                                                                                                                                  السابع عشر: إحدى وعشرون صلاة، ذكره ابن المنذر عن الإمام أحمد .

                                                                                                                                                                                  الثامن عشر: يقصر مطلقا، ذكره أبو محمد البصري .

                                                                                                                                                                                  التاسع عشر: قال ابن أبي شيبة : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك بن سلمة ، عن ابن عباس قال: إن قمت في بلد خمسة أشهر فقصر الصلاة .

                                                                                                                                                                                  العشرون: قال أبو بكر : حدثنا مسعر ، وسفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الرحمن قال: أقمنا مع سعد بن مالك شهرين بعمان يقصر الصلاة، ونحن نتم، فقلنا له، فقال: نحن أعلم .

                                                                                                                                                                                  والحادي والعشرون قال: حدثنا وكيع ، حدثنا شعبة ، حدثنا أبو التياح ، عن أبي المنهال رجل من غزة ، قلت لابن عباس : إني أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سفر، قال: صل ركعتين .

                                                                                                                                                                                  الثاني والعشرون: عند أبي بكر بسند صحيح، قال سعيد بن جبير رضي الله تعالى عنه: إذا أراد أن يقيم أكثر من خمسة عشر يوما أتم الصلاة .

                                                                                                                                                                                  ذكر بيان مشروعية القصر ، وبيان سببه:

                                                                                                                                                                                  ذكر الضحاك في تفسيره أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في حدة الإسلام الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثا، والعشاء ركعتين، والغداة ركعتين، فلما نزلت آية القبلة تحول للكعبة ، وكان قد صلى هذه الصلوات نحو بيت المقدس ، فوجهه جبريل عليه السلام بعدما صلى ركعتين من الظهر نحو الكعبة ، وأومأ إليه بأن صل ركعتين، وأمره أن يصلي العصر أربعا، والعشاء أربعا، والغداة ركعتين، وقال: يامحمد أما الفريضة الأولى فهي للمسافرين من أمتك والغزاة.

                                                                                                                                                                                  وروى الطبراني : حدثنا المثنى حدثنا إسحاق حدثنا عبد الله بن هاشم ، أخبرنا سيف ، عن أبي روق ، عن أبي أيوب ، عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا نضرب في الأرض، فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة ثم انقطع الوحي، فلما كان بعد ذلك بحول غزا النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى الظهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم، فأنزل الله تعالى بين الصلاتين: إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا

                                                                                                                                                                                  وحدثنا ابن بشار حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي، عن قتادة ، عن سليمان اليشكري أنه سأل جابر بن عبد الله ، عن إقصار الصلاة، أي يوم أنزل، أو أي يوم هو ؟ فقال: انطلقنا نتلقى عيرا لقريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخل، فنزلت آية القصر .

                                                                                                                                                                                  وفي " شرح المسند " لابن الأثير : كان قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة.

                                                                                                                                                                                  وفي " تفسير الثعلبي " قال ابن عباس : أول صلاة قصرت صلاة العصر، قصرها النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان في غزوة ذي أنمار .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية