الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  949 39 - حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزهري، عن عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته - تعني بالليل - فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية، قبل أن يرفع رأسه. ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث أخرجه البخاري أيضا في باب طول السجود في قيام الليل بهذا الإسناد، والمتن بعينهما، وأبو اليمان الحكم بن نافع ، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، والزهري هو محمد بن مسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله: " كان يصلي إحدى عشرة ركعة " . وروي عن عروة ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها خلاف ما رواه الزهري عنه، وهو ما رواه مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين . أخرجه أبو داود عن القعنبي ، عن مالك . وأخرجه الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن مالك - نحوه. وروى أبو داود أيضا، حدثنا موسى بن إسماعيل ، ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا أبان عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم: كان [ ص: 8 ] يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة. كان يصلي ثماني ركعات، ويوتر بركعة، ثم يصلي . قال مسلم : بعد الوتر ركعتين وهو قاعد، فإذا أراد أن يركع قام، فركع. ويصلي بين أذان الفجر، والإقامة ركعتين.

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم ، والنسائي أيضا، وأخرجه أبو داود أيضا من حديث القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل عشر ركعات، ويوتر بسجدة، ويسجد سجدتي الفجر - فذلك ثلاث عشرة ركعة .

                                                                                                                                                                                  وأخرج أيضا من حديث الأسود بن يزيد أنه دخل على عائشة ، فسألها عن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل، فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة من الليل، ثم إنه يصلي إحدى عشرة ركعة، ويترك ركعتين. ثم قبض حين قبض وهو يصلي من الليل تسع ركعات، آخر صلاته من الليل الوتر .

                                                                                                                                                                                  وروى أيضا من حديث سعد بن هشام في حديث طويل أنه سأل عائشة قال: قلت: حدثيني عن قيام الليل، فأخبرت به. ثم قال: حدثيني عن وتر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ! قالت: كان يوتر بثمان ركعات لا يجلس إلا في الثامنة، والتاسعة، ولا يسلم إلا في التاسعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس - فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن، وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات، لم يجلس إلا في السادسة، والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة. ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فتلك تسع ركعات يا بني .

                                                                                                                                                                                  اعلم أن عائشة رضي الله تعالى عنها أطلقت على جميع صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم في الليل التي كان فيها الوتر - وترا، فجملتها إحدى عشرة ركعة. وهذا كان قبل أن يبدن، ويأخذ اللحم، فلما بدن، وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات. وهاهنا أيضا أطلقت على الجميع وترا، والوتر منها ثلاث ركعات: أربع قبله من النفل، وبعده ركعتان ; فالجميع تسع ركعات. (فإن قلت): قد صرحت في الصورة الأولى بقولها: " لا يجلس إلا في الثامنة، ولا يسلم إلا في التاسعة "، وصرحت في الصورة الثانية بقولها: " لم يجلس إلا في السادسة، والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة ". (قلت): هذا اقتصار منها على بيان جلوس الوتر وسلامه ; لأن السائل إنما سأل عن حقيقة الوتر، ولم يسأل عن غيره، فأجابت مبينة بما في الوتر من الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضا على الثالثة بسلام.

                                                                                                                                                                                  وهذا عين مذهب أبي حنيفة ، وسكت عن جلوس الركعات التي قبلها، وعن السلام فيها. كما أن السؤال لم يقع عنها، فجوابها قد طابق سؤال السائل، غير أنها أطلقت على الجميع وترا في الصورتين ; لكون الوتر فيها. ويؤيد ما ذكرناه ما روى الطحاوي من حديث يحيى بن أيوب ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة - أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون. ويقرأ في الوتر قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس .

                                                                                                                                                                                  وأخرج من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد وقد وقع الاختلاف في أعداد ركعات صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم بالليل من سبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، إلى سبع عشرة ركعة قدر عدد ركعات الفرض في اليوم والليلة. (فإن قلت): ما تقول في هذا الاختلاف ؟ (قلت): كل واحد من الرواة مثل عائشة ، وابن عباس ، وزيد بن خالد ، وغيرهم أخبر بما شاهده، وأما الاختلاف عن عائشة فقيل: هو من الرواة عنها، وقيل: هو منها. ويحتمل أنها أخبرت عن حالات ; منها ما هو الأغلب من فعله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومنها ما هو نادر، ومنها ما هو اتفق من اتساع الوقت وضيقه على ما ذكرناه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية