الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  997 83 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، وهو دون القيام الأول، ثم ركع فأطال الركوع، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد فأطال السجود، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى، ثم انصرف، وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا". ثم قال: يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمة محمد ، والله لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " وتصدقوا "، ورجاله قد ذكروا غير مرة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم ، والنسائي جميعا في الصلاة، عن قتيبة ، عن مالك .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود ، عن القعنبي ، عن مالك مختصرا على قوله " الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل، وكبروا، وتصدقوا " .

                                                                                                                                                                                  واعلم أن صلاة الكسوف رويت على أوجه كثيرة، ذكر أبو داود منها جملة، وذكر البخاري ومسلم جملة .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه كذلك .

                                                                                                                                                                                  وقال الخطابي : اختلفت الروايات في هذا الباب، فروي: أنه ركع ركعتين في أربع ركوعات، وأربع سجدات . وروي: أنه ركعهما في ركعتين، وأربع سجدات، وروي: [ ص: 70 ] أنه ركع ركعتين في ست ركوعات، وأربع سجدات . وروي: أنه ركع ركعتين في عشر ركوعات، وأربع سجدات . وقد ذكر أبو داود أنواعا منها، ويشبه أن يكون المعنى في ذلك أنه صلاها مرات وكرات، وكان إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته، وزاد في عدد الركوع، وإذا قصرت نقص من ذلك وحذا بالصلاة حذوها، وكل ذلك جائز يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه . ذكر ما فيه من المعنى، واستنباط الأحكام:

                                                                                                                                                                                  قوله " في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي في زمنه .

                                                                                                                                                                                  قوله " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " استدل به بعضهم على أنه صلى الله عليه وسلم كان يحافظ على الوضوء، فلهذا لم يحتج إلى الوضوء في تلك الحال .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: فيه نظر لأن في السياق حذفا ; لأن في رواية ابن شهاب : خسفت فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه . وفي رواية عمرة : فخسفت، فرجع ضحى، فمر بين الحجر ، ثم قام يصلي .

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا الذي ذكره لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان على الوضوء أو لم يكن، ولكن حاله يقتضي وجلالة قدره تستدعي كونه على محافظة الوضوء .

                                                                                                                                                                                  قوله " فأطال القيام " أي يطول القراءة فيه، والدليل عليه: رواية ابن شهاب : فاقترأ قراءة طويلة . ومن وجه آخر عنه: فقرأ سورة طويلة . وفي حديث ابن عباس على ما سيأتي: فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى . ونحوه لأبي داود من طريق سليمان بن يسار ، عن عروة ، وزاد: أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران .

                                                                                                                                                                                  وعند الشافعية : يستفتح القراءة في الركعة الأولى والثانية بأم القرآن، وأما الثالثة والرابعة فيقرأ بها أيضا عندهم . وعند مالك : يقرأ السورة . وفي الفاتحة قولان، قال مالك : نعم، وقال ابن مسلمة : لا .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم قام فأطال القيام " وفي رواية ابن شهاب : ثم قال: سمع الله لمن حمده، وزاد من وجه آخر: ربنا ولك الحمد، وقيل: استدل به على استحباب الذكر المشروع في الاعتدال في أول القيام الثاني من الركعة الأولى .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: واستشكله بعض متأخري الشافعية ، من جهة كونه قيام قراءة لا قيام اعتدال، بدليل اتفاق العلماء ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة على قراءة الفاتحة فيه .

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا المستشكل هو صاحب المهمات، وقوله " بدليل اتفاق العلماء " فيه نظر ; لأن محمد بن مسلمة من المالكية ممن قال بزيادة الركوع في كل ركعة، ولم يقل بقراءة الفاتحة كما قلنا عن قريب، وأجاب عن ذلك شيخنا الحافظ زين الدين العراقي رحمه الله بقوله: ففي استشكاله نظر لصحة الحديث فيه، بل لو زاد الشارع عليه ذكرا آخر لما كان مستشكلا .

                                                                                                                                                                                  قوله " وهو دون القيام الأول " أراد به أن القيام الأول أطول من الثاني في الركعة الأولى، وأراد أن القيام في الثانية دون القيام الأول في الأولى، والركوع الأول فيها دون الركوع الأول في الأولى، وأراد بقوله " في القيام الثاني في الثانية أنه دون القيام الأول فيها، وكذلك ركوعه الثاني فيها دون ركوعه الأول فيها، وقال النووي : اتفقوا على أن القيام الثاني والركوع الثاني من الأولى أقصر من القيام الأول والركوع، وكذا القيام الثاني والركوع الثاني من الثانية أقصر من الأول منهما من الثانية، واختلفوا في القيام الأول والركوع الأول من الثانية، هل هما أقصر من القيام الثاني والركوع الثاني من الركعة الأولى، ويكون هذا معنى قوله " وهو دون القيام الأول ودون الركوع الأول " أم يكونان سواء، ويكون قوله " دون القيام أو الركوع الأول" أي أول قيام وأول ركوع .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم ركع فأطال الركوع " يعني أنه خالف به عادته في سائر الصلوات كما في القيام، وقال مالك : ويكون ركوعه نحوا من قيامه وقراءته.

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم سجد فأطال السجود " وهو ظاهر في تطويله، قال أبو عمر ، عن مالك : لم أسمع أن السجود يطول في صلاة الكسوف . وهو مذهب الشافعي ، ورأت فرقة من أهل الحديث تطويل السجود في ذلك .

                                                                                                                                                                                  قلت: حكى الترمذي ، عن الشافعي : أنه يقيم في كل سجدة من الركعة الأولى نحوا مما قام في ركوعه، وقال: في الركعة الثانية، ثم سجد سجدتين، ولم يصف مقدار إقامته فيهما، فيحتمل أن يريد مثل ما تقدم في سجود الركعة الأولى، ويحتمل أنه كسجود سائر الصلوات .

                                                                                                                                                                                  وقال الرافعي : وهل يطول السجود في هذه الصلاة ؟ فيه قولان، ويقال وجهان، أظهرهما: لا، كما لا يزيد في التشهد، ولا يطول القعدة بين السجدتين، والثاني، وبه قال ابن شريح : نعم، ويحكى عن البويطي ، وقد صحح النووي خلافه في " الروضة "، فقال: الصحيح المختار أنه يطول، وكذا صححه في " شرح المهذب "، وفي " المنهاج " من زياداته، واقتصر في " تصحيح التنبيه على المختار " .

                                                                                                                                                                                  قال شيخنا الحافظ زين الدين : إن قلنا بتطويل السجود في صلاة الكسوف، فما مقدار الإقامة فيه ؟ فالذي ذكره الترمذي ، عن الشافعي أنه قال: ثم سجد سجدتين تامتين، ويقيم في كل سجدة نحوا مما أقام في ركوعه . وهي رواية البويطي ، عن الشافعي أيضا إلا أنه زاد بعد قوله " تامتين [ ص: 71 ] طويلتين " وهو الذي جزم به النووي في المنهاج .

                                                                                                                                                                                  قوله " ثم انصرف " أي من الصلاة .

                                                                                                                                                                                  قوله " وقد تجلت الشمس " أي انكشفت . وفي رواية ابن شهاب : وقد انجلت الشمس قبل أن ينصرف . وفي رواية: ثم تشهد وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله " فخطب الناس " صريح في استحبابها، وبه قال الشافعي ، وإسحاق ، وابن جرير ، وفقهاء أصحاب الحديث، وتكون بعد الصلاة .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : لا خطبة فيها، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة، والتكبير، والصدقة، ولم يأمرهم بالخطبة، ولو كانت سنة لأمرهم بها، ولأنها صلاة كان يفعلها المنفرد في بيته فلم يشرع لها خطبة، وإنما خطب صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وكأنه مختص به، وقيل: خطب بعدها لا لها، بل ليردهم عن قولهم: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم كما في الحديث .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: والعجب أن مالكا روى حديث هشام هذا، وفيه التصريح بالخطبة، ولم يقل به أصحابه .

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس بعجب ذلك، فإن مالكا وإن كان قد رواها فيه وعللها بما قلنا، فلم يقل بها، وتبعه أصحابه فيها .

                                                                                                                                                                                  قوله " فحمد الله وأثنى عليه " زاد النسائي في حديث سمرة : ويشهد أنه عبد الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                  قوله " فادعوا الله " رواية الكشميهني . وفي رواية غيره: فاذكروا الله .

                                                                                                                                                                                  قوله " أغير " أفعل التفضيل من الغيرة، وهي تغير يحصل من الحمية والأنفة، وأصلها في الزوجين والأهلين، وكل ذلك محال على الله عز وجل، وهو مجاز محمول على غاية إظهار غضبه على الزاني، قيل: لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم، ومنعهم، وزجرهم من يقصدهم، وزجر من يقصد إليهم - أطلق ذلك لكونه منع من فعل ذلك، وزجر فاعله وتوعده، فهو من باب تسمية الشيء بما يترتب عليه .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن فورك : المعنى ما أحد أكثر زجرا عن الفواحش من الله تعالى . وقال ابن دقيق العيد : أهل التنزيه في مثل هذا على قولين: إما ساكت، وإما مئول، على أن المراد من الغيرة شدة المنع والحماية، وقيل: معناه ليس أحد أمنع من المعاصي من الله، ولا أشد كراهة لها منه .

                                                                                                                                                                                  قلت: يجوز أن يكون هذا استعارة مصرحة تبعية، قد شبه حال ما يفعل الله مع عبده الزاني من الانتقام وحلول العقاب بحالة ما يفعله العبد لعبده الزاني من الزجر والتعزير .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف إعراب "أغير" ؟ قلت: بالنصب خبر "ما" النافية، ويجوز الرفع على أن يكون خبرا للمبتدإ، أعني قوله " أحد "، وكلمة "من" زائدة لتأكيد العموم، وقوله " أن يزني " يتعلق بأغير، وحذف الجار، وهي "في" أو "على" .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما وجه تخصيص العبد والأمة بالذكر ؟ قلت: رعاية لحسن الأدب مع الله تعالى لتنزهه عن الزوجة، والأهل ممن تعلق بهم الغيرة غالبا .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: ما وجه اتصال هذا الكلام بما قبله من قوله " فاذكروا الله .. " إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  قلت: قال الطيبي : المناسبة من جهة أنهم لما أمروا باستدفاع البلاء بالذكر، والصلاة، والصدقة - ناسب ردعهم عن المعاصي التي هي من أسباب جلب البلاء ، وخص منها الزنا ; لأنه أعظمها في ذلك .

                                                                                                                                                                                  وقيل: لما كانت هذه المعصية من أقبح المعاصي، وأشدها تأثيرا في إثارة النفوس، وغلبة الغضب - ناسب ذلك تخويفهم في هذا المقام من مؤاخذة رب الغيرة، وخالقها .

                                                                                                                                                                                  قوله " يا أمة محمد " قيل: فيه معنى الإشفاق كما يخاطب الوالد ولده إذا أشفق عليه بقوله: يا بني .

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس هذا مثل المثال الذي ذكره، فلو كان قال يا أمتي بالنسبة إليه لكان من هذا الباب، وإنما هذا يشبه أن يكون من باب التجريد كأنه أبعدهم عنه، فخاطبهم بهذا الخطاب ; لأن المقام مقام التخويف والتحذير .

                                                                                                                                                                                  قوله " والله لو تعلمون " أي من عظم انتقام الله من أهل الجرائم، وشدة عقابه، وأهوال القيامة وأحوالها كما علمته - لما ضحكتم أصلا، إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيه السياق .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: لا يرتاب في صدق النبي صلى الله عليه وسلم، فلم صدر كلامه بقوله " والله " في الموضعين ؟

                                                                                                                                                                                  قلت: لإرادة التأكيد لخبره، وإن كان لا يشك فيه ; لأن المقام مقام الإنكار عما يليق فعله، فيقتضي التأكيد، وقيل: معنى هذا الكلام لو علمتم من سعة رحمة الله، وحلمه، ولطفه، وكرمه ما أعلم لبكيتم على ما فاتكم من ذلك، وقيل: إنما خص نفسه صلى الله عليه وسلم بعلم لا يعلمه غيره ; لأنه لعله أن يكون ما رآه في عرض الحائط من النار، ورأى فيها منظرا شديدا، لو علمت أمته من ذلك ما علم صلى الله عليه وسلم لكان ضحكهم قليلا وبكاؤهم كثيرا إشفاقا وخوفا .

                                                                                                                                                                                  وقد حكى ابن بطال ، عن المهلب : أن سبب ذلك ما كان عليه الأنصار من محبة اللهو والغناء، وأطنب فيه، ورد عليه ذلك بأنه قول بلا دليل، ولا حجة في تخصيصهم بذلك، والقضية كانت في أواخر زمنه صلى الله عليه وسلم مع كثرة الأصناف من الخلائق في المدينة يومئذ .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 72 ] وفي الحديث فوائد أخرى: فيه المبادرة بالصلاة، والذكر، والتكبير، والصدقة عند وقوع كسوف وخسوف ونحوهما من زلزلة وظلمة شديدة وريح عاصف، ونحو ذلك من الأهوال . وفيه الزجر عن كثرة الضحك، والتحريض على كثرة البكاء . وفيه الرد على من زعم أن للكواكب تأثيرا في حوادث الأرض على ما ذكرنا . وفيه اهتمام الصحابة رضي الله تعالى عنهم بنقل أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدى به فيها . وفيه الأمر بالدعاء، والتضرع في سؤاله . وفيه التحريض على فعل الخيرات ، ولا سيما الصدقة التي نفعها متعد . وفيه عظة الإمام عند الآيات، وأمرهم بأعمال البر . وفيه أن صلاة الكسوف ركعتان، ولكن على هيئة مخصوصة من تطويل زائد في القيام وغيره على العادة من زيادة ركوع في كل ركعة .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم: الأخذ بهذا أولى من إلغائها، وبذلك قال جمهور أهل العلم من أهل الفتيا، وقد وافق عائشة على ذلك عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، ومثله عن أسماء بنت أبي بكر ، وعن جابر عند مسلم ، وعن علي عند أحمد ، وعن أبي هريرة عند النسائي ، وعن ابن عمر عند البزار ، وعن أم سفيان عند الطبراني .

                                                                                                                                                                                  قلت: لم سكت هذا القائل عن حديث أبي بكرة الذي صدره البخاري في هذا الباب، ورواه النسائي ، وحديث ابن مسعود الذي رواه ابن خزيمة في " صحيحه "، وحديث عبد الرحمن بن سمرة عند مسلم ، وحديث سمرة بن جندب عند الأربعة، وحديث النعمان بن بشير عند الطحاوي ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص عنده أيضا، وعند أبي داود ، وأحمد ، وحديث قبيصة الهلالي عند أبي داود ، وقد ذكرنا جميع ذلك مستقصى، فأحاديث هؤلاء كلها تدل على أن صلاة الكسوف ركعتان كهيئة النافلة من غير الزيادة على ركوعين .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: أحاديث هؤلاء غاية ما في الباب أنها تدل على أن صلاة الكسوف ركعتان ، والخصم قائل به، وليس فيها ما ينفي ما ذهب إليه الخصم من الزيادة .

                                                                                                                                                                                  قلت: في أحاديثهم نص على الركعتين مطلقا، والمطلق ينصرف إلى الكامل، وهي الصلاة المعهودة من غير الزيادة المذكورة مع أنهم لم يقولوا بإلغاء تلك الزيادة، وإنما اختاروا ما ذهبوا إليه لموافقته القياس، ويؤيد ذلك ما رواه الطحاوي ، عن علي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: فرض النبي صلى الله عليه وسلم أربع صلوات: صلاة الحضر أربع ركعات، وصلاة السفر ركعتين، وصلاة الكسوف ركعتين، وصلاة المناسك ركعتين ، وقد قرنت صلاة الكسوف بصلاة السفر وصلاة المناسك، وفي ركعة كل واحدة منهما ركوع واحد بلا خلاف، فكذلك صلاة الكسوف، ولا سيما على قول من يقول: إن القران في النظم يوجب القران في الحكم، فإن قالوا: الزيادة المذكورة ثبتت في رواية الحفاظ الثقات، فوجب قبولها، والعمل بها . قلنا: قد ثبت عند مسلم ، عن عائشة ، وجابر رضي الله تعالى عنهما: أن في كل ركعة ثلاث ركوعات ، وعنده، عن ابن عباس : أن في كل ركعة ثلاث ركوعات . وعند أبي داود ، عن أبي بن كعب . وعند البزار ، عن علي : أن في كل ركعة خمس ركوعات، فما كان جوابهم في هذه فهو جوابنا في تلك، ثم إن هذا القائل نقل عن صاحب " الهدى " أنه نقل، عن الشافعي ، وأحمد ، والبخاري : أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة .

                                                                                                                                                                                  قلت: ينبغي أن لا يؤاخذ بهذا ; لأنه ثبت في " صحيح مسلم ": ثلاث ركوعات، وأربع ركوعات، كما ذكرناه الآن .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية