الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  966 54 - حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر أنه سمع [ ص: 34 ] عباد بن تميم يحدث أباه عن عمه عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى، فاستسقى، فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذه طريقة أخرى في الحديث المذكور قبله، أخرجه عن علي بن عبد الله جعفر الذي يقال له: ابن المديني ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عباد بن تميم ، إلى آخره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن سفيان ، عن عبد الله " ، كذا هو في رواية الحموي ، والمستملي ، أعني بلفظ " عن عبد الله ". ووقع في رواية الآخرين " قال: حدثنا سفيان ، قال عبد الله بن أبي بكر " أي قال: قال عبد الله ، وجرت عادتهم بحذف إحداهما من الخط.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يحدث أباه " ، الضمير في قوله: " أباه " يعود على عبد الله بن أبي بكر لا على عباد . وقال الكرماني : موضع أباه أراه أي أظنه، ثم قال: وفي بعضها أباه أي أبا عبد الله ، يعني: أبا بكر ، وقال بعضهم: ولم أر في شيء من الروايات التي اتصلت لنا. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لا يستلزم عدم رؤيته لذلك عدم رؤية غيره، والنسخة التي اطلع عليها الكرماني أوضح، وأظهر.

                                                                                                                                                                                  وهذا الحديث يشتمل على أحكام:

                                                                                                                                                                                  الأول: فيه خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصحراء للاستسقاء ; لأنه أبلغ في التواضع، وأوسع للناس. وذكر ابن حبان كان خروجه صلى الله عليه وسلم إلى المصلى للاستسقاء في شهر رمضان سنة ست من الهجرة.

                                                                                                                                                                                  الثاني: فيه مشروعية الاستسقاء .

                                                                                                                                                                                  الثالث: فيه استقبال القبلة، وتحويل الرداء ، وقد ذكرنا حكمه مستقصى.

                                                                                                                                                                                  الرابع: فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين. ويحتاج في بيان هذا إلى أمور:

                                                                                                                                                                                  الأول: فيه الدلالة على أن الخطبة فيه قبل الصلاة، وصرح يحيى بن سعيد في باب كيف يحول ظهره: ثم صلى لنا ركعتين. وهو مقتضى حديث عائشة الذي رواه أبو داود في سننه، عنها قالت: " شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه. قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عليكم، وقد أمركم الله تعالى أن تدعوه، ووعدكم أن الله يستجيب لكم. ثم قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة، وبلاغا إلى حين! ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب، أو حول رداءه وهو رافع يديه. ثم أقبل على الناس، ونزل، فصلى ركعتين. فأنشأ الله سحابة فرعدت، وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله " .

                                                                                                                                                                                  والمفهوم من هذا الحديث أن الخطبة قبل الصلاة ، ولكن وقع عند أحمد في حديث عبد الله بن زيد التصريح بأنه بدأ بالصلاة قبل الخطبة. والجمع بينهما أنه محمول على الجواز، والمستحب تقديم الصلاة لأحاديث أخر.

                                                                                                                                                                                  الأمر الثاني: أن صلاة الاستسقاء ركعتان . وروى أبو داود عن ابن عباس حديثا، وفيه " ولم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء، والتضرع، والتكبير. ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد " . وقال الخطابي : وفيه دلالة على أنه يكبر كما يكبر في العيدين، وإليه ذهب الشافعي ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، ومكحول ، ومحمد بن جرير الطبري ، وهو رواية عن أحمد . وذهب جمهور العلماء إلى أنه يكبر فيهما كسائر الصلوات تكبيرة واحدة للافتتاح، وهو قول مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأحمد في المشهور عنه، وأبي ثور ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وغيرهما من أصحاب أبي حنيفة . وقال داود : إن شاء كبر كما يكبر في العيدين، وإن شاء كبر تكبيرة واحدة للاستفتاح كسائر الصلوات.

                                                                                                                                                                                  والجواب عن حديث ابن عباس أن المراد من قوله: " كما يصلي في العيدين "، يعني: في العدد، والجهر بالقراءة، وفي كون الركعتين قبل الخطبة. (فإن قلت): قد روى الحاكم في مستدركه، والدارقطني ثم البيهقي في السنن، عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه " عن طلحة ، قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء، فقال: سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين ، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه. وصلى ركعتين، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية. وكبر فيها خمس تكبيرات ". قال الحاكم : صحيح الإسناد، [ ص: 35 ] ولم يخرجاه. (قلت): أجيب عنه بوجهين: أحدهما: أنه ضعيف; فإن محمد بن عبد العزيز قال البخاري فيه: منكر الحديث، وقال النسائي : متروك الحديث، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث، ليس له حديث مستقيم. وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: يروي عن الثقات المعضلات، وينفرد بالطامات عن الأثبات حتى سقط الاحتجاج به. وقال ابن قطان في كتابه: هو أحد ثلاثة إخوة كلهم ضعفاء، محمد ، وعبد الله ، وعمران بنو عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبوهم عبد العزيز مجهول الحال. فاعتل الحديث بهما.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أنه معارض بحديث رواه الطبراني في الأوسط بإسناده " عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: استسقى فخطب قبل الصلاة، واستقبل القبلة وحول رداءه. ثم نزل، فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة " .

                                                                                                                                                                                  الأمر الثالث: في أن وقت صلاة الاستسقاء كوقت صلاة العيدين، كما دل عليه حديث ابن عباس . وقد اختلف في ذلك; فذهب مالك ، والشافعي ، وأبو ثور إلى أنه يخرج لها كالخروج إلى صلاة العيدين، وحكى ابن المنذر ، وابن عبد البر عن الشافعي هذا. ونقل ابن الصباغ في الشامل وصاحب جمع الجوامع عن نص الشافعي أنها لا تختص بوقت، وبه قطع المتولي ، والماوردي ، وابن الصباغ ، وصححه الرافعي في المحرر. ونقل النووي القطع به عن الأكثرين، وأنه صححه المحققون. وأما وقتها كوقت العيد، فقال إمام الحرمين : إنه لم يرو لغير الشيخ أبي علي . (قلت): لم ينفرد به الشيخ أبو علي ، بل قاله أيضا الشيخ أبو حامد ، والمحاملي البغوي في التهذيب.

                                                                                                                                                                                  الأمر الرابع: في أنه يقرأ في صلاة الاستسقاء بعد الفاتحة ما يقرأ في العيدين إما سورة (ق) واقتربت، أو سبح اسم ربك الأعلى والغاشية، وهو قول الشافعي استدلالا بما في حديث ابن عباس المذكور " فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين " . وقال الشافعي في الأم: ويصلي ركعتين لا يخالف صلاة العيد بشيء، ونأمره أن يقرأ فيها ما يقرأ في صلاة العيد. قال: وما قرأ به مع أم القرآن أجزأه، وإن اقتصر على أم القرآن في كل ركعة أجزأه. وصدر الرافعي كلامه بأنه يقرأ في الأولى (ق)، وفي الثانية اقتربت، ثم حكى عن بعض الأصحاب أنه يقرأ في الأولى (ق)، وفي الثانية إنا أرسلنا نوحا . وعند أصحابنا ليس في صلاة، أي صلاة كانت، قراءة مؤقتة. وذكر في البدائع، والتحفة: الأفضل أن يقرأ فيهما سبح اسم ربك الأعلى في الأولى، وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية .

                                                                                                                                                                                  الأمر الخامس: أنه يجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء ; لما روى الترمذي من حديث " عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين جهر بالقراءة فيهما " الحديث. وعن أبي يوسف : أحسن ما سمعنا فيه أن يصلي الإمام ركعتين جاهرا بالقراءة، مستقبلا للقبلة بوجهه، قائما على الأرض دون المنبر، متكئا على قوس، يخطب بعد الصلاة خطبتين. وعن أبي يوسف خطبة واحدة; لأن المقصود منها الدعاء، فلا يقطعها بالجلسة. وعند محمد : يخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة، وبه قال الشافعي .

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن أبا حنيفة قال: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإن صلى الناس وحدانا جاز، إنما الاستسقاء الدعاء، والاستغفار; لقوله تعالى: استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا علق نزول الغيث بالاستغفار لا بالصلاة، فكان الأصل فيه الدعاء، والتضرع دون الصلاة.

                                                                                                                                                                                  ويشهد لذلك أحاديث: منها الحديث المذكور; لأنه لم يذكر فيه الصلاة. ومنها حديث أنس على ما يأتي في الباب الآتي. ومنها حديث كعب بن مرة ، رواه ابن ماجه من رواية شرحبيل بن السمط أنه قال لكعب : يا كعب بن مرة " حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحذر! قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، استسق الله عز وجل! فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اسقنا غيثا مريعا طبقا، عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار! قال: فاجتمعوا حتى أجيبوا. قال: فأتوه، فشكوا إليه المطر، فقال: يا رسول الله، تهدمت البيوت، فقال رسول الله: اللهم حوالينا، ولا علينا! قال: فجعل السحاب يتقطع يمينا وشمالا " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث جابر ، رواه أبو داود من رواية يزيد الفقير " عن جابر بن عبد الله قال: أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواك، فقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل! قال: فأطبقت عليهم السماء " . انتهى.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بواك " - جمع باكية. وقال الخطابي : بواكي، بضم الياء آخر الحروف، قال: معناه التحامل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " مريعا " ، بفتح [ ص: 36 ] الميم، وكسر الراء، أي مخصبا ناجعا، من مرع الوادي مراعة. ويروى، بضم الميم من أمرع المكان إذا أخصب، ويروى بالباء الموحدة من أربع الغيث إذا أنبت الربيع، ويروى بالتاء المثناة من فوق أي ينبت الله فيه ما ترتع فيه المواشي.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، رواه الطبراني من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، عن القاسم " عن أبي أمامة قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ضحى، فكبر ثلاث تكبيرات، ثم قال: اللهم اسقنا! ثلاثا. اللهم ارزقنا سمنا ولبنا، وشحما ولحما، وما نرى في السماء سحابا، فثارت ريح وغبرة، ثم اجتمع سحاب، فصبت السماء. فصاح أهل الأسواق، وثاروا إلى سقائف المسجد وإلى بيوتهم " الحديث.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عبد الله بن جراد ، رواه البيهقي في سننه من رواية يعلى قال: " حدثنا عبد الله بن جراد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: اللهم غيثا مغيثا مريئا، توسع به لعبادك، تغزر به الضرع، وتحيي به الزرع " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عبد الله بن عمر ، رواه أبو داود من رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: اللهم اسق عبادك، وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث عمير مولى آبي اللحم ، رواه أبو داود من رواية ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم " عن عمير مولى آبي اللحم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت " . ومنها حديث أبي الدرداء ، رواه البزار ، والطبراني عنه " قال: قحط المطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لنا، فاستسقى " الحديث.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث أبي لبابة ، رواه الطبراني في الصغير من رواية عبد الله بن حرملة عن سعيد بن المسيب ، عن أبي لبابة بن عبد المنذر قال: " استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو لبابة بن عبد المنذر : إن التمر في المرابد يا رسول الله، فقال: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا، ويسد مثقب مربده بإزاره، وما نرى في السماء سحابا، فأمطرت فاجتمعوا إلى أبي لبابة ، فقالوا: إنها لن تقلع حتى تقوم عريانا، وتسد مثقب مربدك بإزارك، ففعل، فأصحت .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث ابن عباس ، رواه أبو عوانة أنه قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، لقد جئتك من عند قوم ما يتزود لهم راع، ولا يخطر لهم فحل! فصعد المنبر، فحمد الله، ثم قال: اللهم اسقنا! " الحديث.

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، رواه أبو عوانة أيضا " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل واديا لا ماء فيه، وسبقه المشركون إلى الماء، فقال بعض المنافقين: لو كان نبيا لاستسقى لقومه! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فبسط يديه، وقال: اللهم جللنا سحابا كثيفا قصيفا دلوقا مخلوفا زبرجا، تمطرنا منه رذاذا قطقطا سجلا بعاقا يا ذا الجلال والإكرام! فما رد يديه من دعائه حتى أظلتنا السحاب التي وصف " . وعنده أيضا " عن عامر بن خارجة بن سعد ، عن جده " أن قوما شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فقال: اجثوا على الركب، ثم قولوا: يا رب يا رب! قال: ففعلوا، فسقوا حتى أحبوا أن ينكشف عنهم " .

                                                                                                                                                                                  ومنها حديث الشفا، رواه الطبراني في الكبير من رواية خالد بن إلياس عن أبي بكر بن سليمان بن أبي خيثمة عن الشفاء بنت خلف " أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة في المسجد، ورفع يديه، وقال: استغفروا ربكم إنه كان غفارا، وحول رداءه ". وخالد بن إلياس ضعيف.

                                                                                                                                                                                  ومن حديث الواقدي عن مشايخه قال: " قدم وفد بني مرة بن قيس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فشكوا إليه السنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقهم الغيث " الحديث. وقال الواقدي : ولما قدم وفد سلامان سنة عشر، فشكوا إليه الجدب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه: اللهم اسقهم الغيث في دارهم! " الحديث.

                                                                                                                                                                                  وفي دلائل النبوة للبيهقي " عن أبي وجرة : أتى وفد فزارة بعد تبوك ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة، فصعد المنبر ورفع يديه. وكان لا يرفع يديه إلا في الاستسقاء، قال: فوالله ما رأوا الشمس سبتا. فقام الرجل الذي سأل الاستسقاء، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل! " الحديث.

                                                                                                                                                                                  وفي سنن سعيد بن منصور بسند جيد إلى الشعبي قال: " خرج عمر رضي الله تعالى عنه يستسقي، فلم يزد على الاستغفار. فقالوا: ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت الغيث بمجاريح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ استغفروا ربكم ثم توبوا إليه الآية . وفي مراسيل أبي داود من حديث شريك " عن عطاء بن يسار أن رجلا من ألد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أجدبنا وهلكنا، فادع الله! فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث.

                                                                                                                                                                                  فهذه الأحاديث، والآثار كلها تشهد لأبي حنيفة أن الاستسقاء استغفار ودعاء، وأجيب عن الأحاديث التي فيها الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم فعلها مرة وتركها أخرى، وذا لا يدل على السنة، وإنما يدل على الجواز.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية