الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3944 204 - حدثني عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان قال : سمعت الزهري حين حدث هذا الحديث حفظت بعضه ، وثبتني معمر عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه ، قالا : خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، فلما أتي ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة ، وبعث عينا له من خزاعة ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشظاظ أتاه عينه ، قال : إن قريشا جمعوا لك جموعا ، وقد جمعوا لك الأحابيش ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ، ومانعوك ، فقال : أشيروا أيها الناس علي ; أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت ، فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينا من المشركين ؟ وإلا تركناهم محروبين ؟ قال أبو بكر : يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد ، فتوجه له ، فمن صدنا عنه قاتلناه ، قال : امضوا على اسم الله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وعبد الله بن محمد هو المعروف بالمسندي ، وسفيان هو ابن عيينة ، والمسور بكسر الميم ، ومخرمة بفتحها ، وقد ذكر هؤلاء غير مرة .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في كتاب الشروط في باب الشروط في الجهاد مطولا جدا ، ومضى الكلام فيه هناك ، ولنذكر هنا ما لم يذكر هناك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " هذا الحديث " أشار به إلى الحديث الذي ذكره هنا ، قوله : " حفظت بعضه " ، القائل هو سفيان ، أي سمعت بعض الحديث عن الزهري ، قوله : " وثبتني معمر " أي جعلني معمر بن راشد ثابتا فيما سمعته من الزهري هاهنا ، قوله : " عام الحديبية " ، وهو عام ست من الهجرة ، وقد بسطنا الكلام فيه في أول الباب ، وكذلك مر الكلام في قوله : " بضع عشرة مائة " قوله : " فلما أتى ذا الحليفة " أي فلما جاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم المكان الذي يسمى ذا الحليفة ، وهو ميقات أهل المدينة ، وهي التي تسمى آبار علي رضي الله تعالى عنه ، قوله : " وأشعره " من الإشعار ، وقد ذكرناه عن قريب ، قوله : " وبعث عينا " أي جاسوسا ، قوله : " من خزاعة " بضم الخاء المعجمة ، وتخفيف الزاي ، وهي في الأزد وفي قضاعة ، والتي في الأزد تنسب إلى خزاعة ، وهو عمرو بن ربيعة ، والتي في قضاعة بطن ، وهو خزاعة بن مالك ، واسم هذا العين بسر بن سفيان بن عمرو بن عويمر الخزاعي ، قال أبو عمر : أسلم سنة ست من الهجرة ، وشهد الحديبية [ ص: 226 ] وبسر بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " بغدير الأشظاظ " بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة ، وبالظاءين المعجمتين ، وقال الكرماني : بالمهملتين ، وقيل : بالمعجمتين موضع تلقاء الحديبية ، وضبطه البكري أيضا بالمهملتين ، وقال الهروي : هو بملتقى الطريقين من عسفان للخارج إلى مكة على يمينك بمقدار ميلين ، وربما اجتمع فيه الماء ، وليس ثمة غدير غيره ، والغدير مجتمع الماء ، قوله : " الأحابيش " بالحاء المهملة ، وبالباء الموحدة والشين المعجمة على وزن المصابيح الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة ، وقال ابن الأثير : هم أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم قريشا ، والتحبش التجمع ، وقيل : حالفوا قريشا تحت جبل يسمى حبيشا ، فسموا بذلك ، قوله : " من المشركين " يتعلق بقوله : قطع ، أي إن يأتونا كان الله تعالى قد قطع منهم جاسوسا ، يعني الذي بعثه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، أي غايته أنا كنا كمن لم يبعث الجاسوس ، ولم يعبر الطريق ، وواجههم بالقتال ، وإن لم يأتونا نهبنا عيالهم وأموالهم وتركناهم محروبين بالحاء المهملة والراء أي مسلوبين منهوبين ، يقال : حربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء ، وقد حرب ماله أي سلبه فهو محروب ، وقال الخطابي : المحفوظ منه : كان الله قد قطع عنقا بالقاف أي جماعة من أهل الكفر ، فيقل عددهم وتهن بذلك قوتهم ، قال الخليل : جاء القوم عنقا أي طوائف ، والأعناق الرؤساء ، قوله : " فتوجه " أمر من توجه يتوجه ، قوله : " له " أي البيت ، قوله : " ومن صدنا عنه " أي ومن منعنا من البيت .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية