الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1601 الأصل

[ 962 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا يحيى بن حسان، عن الليث، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، عن المقداد أنه أخبره أنه قال: "يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقتله فقلت: يا رسول الله إنه قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" . .

التالي السابق


الشرح

عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف [ ص: 246 ] المديني القرشي، من فقهاء قريش.

روى عن: عثمان بن عفان، والمقداد بن الأسود.

وروى عنه: عروة، وحميد بن عبد الرحمن بن عوف، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعطاء بن يزيد الليثي.

مات زمن الوليد بن عبد الملك .

والحديث مودع في كتاب البخاري من رواية الزهري، ورواه مسلم وأبو داود عن قتيبة عن الليث.

وقوله: "فقال: أسلمت لله ... إلى آخره" يقتضي صيرورته مؤمنا بهذه الكلمة، وقد قال الحليمي في المنهاج: إذا قال الكافر: آمنت بالله أو أسلمت لله، ينظر إن لم يكن على دين من قبل صار مؤمنا بالله، وإن كان يشرك بالله غيره لم يكن مؤمنا حتى يقول: آمنت بالله وحده أو أسلمت وكفرت بما كنت أشرك به.

وقوله: "إنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال" يحمله الذين يكفرون بالكبائر على أن بقتله يصير بمنزلته في الكفر، قال أبو سليمان الخطابي: وهو تنزيل فاسد، والمعنى: أنك بمنزلته في إباحة الدم; فإنه كان مباح الدم بالكفر فإذا قتله قاتل بعدما أسلم كان القاتل مباح الدم نحو القصاص، ويروى هذا عن الشافعي رضي الله عنه.

والحديث يدل على أنه لا شيء عليه بقطع اليد في الكفر، وعلى أنه إذا تكلم الكافر بكلمة الإيمان يجب التوقف عن قتله وإن وقع ذلك [ ص: 247 ] في حالة الخوف وقدرة المؤمن عليه; لأن اللياذ بالشجرة يشعر بكونه مغلوبا، وفي الصحيحين من رواية أبي ظبيان حصين بن جندب، عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية إلى الحرقات فنذروا بنا فهربوا فأدركنا رجلا، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فضربناه حتى قتلناه، فعرض في نفسي شيء من ذلك فذكرته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -[فقال] "من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة؟" فقلت: يا رسول الله إنما قالها مخافة السلاح والقتل، فقال: "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم قال من أجل ذلك أم لا؟! من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة" قال: فما زال يقول حتى وددت أني لم أسلم إلا يومئذ.

وهذا الحديث واللذان قبله [رواها] الشافعي في الأم قاصدا بها الاحتجاج على تحريم قتل المؤمن من جهة السنة.




الخدمات العلمية