فصل
المحبة المحمودة والمحبة المذمومة
[ ص: 199 ] ولما كانت المحبة جنسا تحته أنواع متفاوتة في القدر والوصف ، كان أغلب ما يذكر فيها في حق الله تعالى ما يختص به ويليق به من أنواعها ، وما لا تصلح إلا له وحده ، مثل العبادة والإنابة ونحوها ، فإن العبادة لا تصلح إلا له وحده ، وكذا الإنابة ، وقد ذكر المحبة باسمها المطلق كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه [ سورة المائدة : 54 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله [ سورة البقرة : 165 ] .
وأعظم أنواع المحبة المذمومة :
nindex.php?page=treesubj&link=29705المحبة مع الله التي يسوي المحب فيها بين محبته لله ومحبته للند الذي اتخذه من دونه .
وأعظم أنواعها المحمودة :
nindex.php?page=treesubj&link=28683محبة الله وحده ، وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها ، والمحبة المذمومة الشركية هي أصل الشقاوة ورأسها التي لا يبقى في العذاب إلا أهلها ، فأهل المحبة الذين أحبوا الله وعبدوه وحده لا شريك له لا يدخلون النار ، ومن دخلها منهم بذنوبه فإنه لا يبقى فيها منهم أحد .
ومدار القرآن على الأمر بتلك المحبة ولوازمها ، والنهي عن المحبة الأخرى ولوازمها ، وضرب الأمثال والمقاييس للنوعين ، وذكر قصص النوعين ، وتفصيل أعمال النوعين وأوليائهم ومعبود كل منهما ، وإخباره عن فعله بالنوعين ، وعن حال النوعين في الدور الثلاثة : دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار القرار ، والقرآن جاء في شأن النوعين .
nindex.php?page=treesubj&link=28749وأصل دعوة جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم ، إنما هي عبادة الله وحده لا شريك له ، المتضمنة لكمال حبه ، وكمال الخضوع والذل له ، والإجلال والتعظيم ، ولوازم ذلك من الطاعة والتقوى .
وقد ثبت في الصحيحين من حديث
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949540والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949541يا رسول الله والله [ ص: 200 ] لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ، فقال : لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ، قال : والذي بعثك بالحق لأنت أحب إلي من نفسي ، قال : الآن يا عمر .
فإذا كان هذا شأن محبة عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ووجوب تقديمها على محبة نفس الإنسان وولده ووالده والناس أجمعين ، فما الظن بمحبة مرسله سبحانه وتعالى ، ووجوب تقديمها على محبة ما سواه ؟ .
nindex.php?page=treesubj&link=28683ومحبة الرب سبحانه تختص عن محبة غيره في قدرها وصفتها وإفراده سبحانه بها : فإن الواجب له من ذلك كله أن يكون أحب إلى العبد من ولده ووالده ، بل من سمعه وبصره ونفسه التي بين جنبيه ، فيكون إلهه الحق ومعبوده أحب إليه من ذلك كله ، والشيء قد يحب من وجه دون وجه ، وقد يحب بغيره ، وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله وحده ، ولا تصلح الألوهية إلا له ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ سورة الأنبياء : 22 ] .
والتأله : هو المحبة والطاعة والخضوع .
فَصْلٌ
الْمَحَبَّةُ الْمَحْمُودَةُ وَالْمَحَبَّةُ الْمَذْمُومَةُ
[ ص: 199 ] وَلَمَّا كَانَتِ الْمَحَبَّةُ جِنْسًا تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ ، كَانَ أَغْلَبَ مَا يُذْكَرُ فِيهَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُخْتَصُّ بِهِ وَيَلِيقُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِهَا ، وَمَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ ، مِثْلَ الْعِبَادَةِ وَالْإِنَابَةِ وَنَحْوِهَا ، فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ ، وَكَذَا الْإِنَابَةُ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَبَّةَ بِاسْمِهَا الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 54 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=165وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 165 ] .
وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْمَحَبَّةِ الْمَذْمُومَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29705الْمَحَبَّةُ مَعَ اللَّهِ الَّتِي يُسَوِّي الْمُحِبُّ فِيهَا بَيْنَ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَمَحَبَّتِهِ لِلنِّدِّ الَّذِي اتَّخَذَهُ مِنْ دُونِهِ .
وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِهَا الْمَحْمُودَةِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28683مَحَبَّةُ اللَّهِ وَحْدَهُ ، وَهَذِهِ الْمَحَبَّةُ هِيَ أَصْلُ السَّعَادَةِ وَرَأْسُهَا الَّتِي لَا يَنْجُو أَحَدٌ مِنَ الْعَذَابِ إِلَّا بِهَا ، وَالْمَحَبَّةُ الْمَذْمُومَةُ الشِّرْكِيَّةُ هِيَ أَصْلُ الشَّقَاوَةِ وَرَأْسُهَا الَّتِي لَا يَبْقَى فِي الْعَذَابِ إِلَّا أَهْلُهَا ، فَأَهْلُ الْمَحَبَّةِ الَّذِينَ أَحَبُّوا اللَّهَ وَعَبَدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا يَدْخُلُونَ النَّارَ ، وَمَنْ دَخَلَهَا مِنْهُمْ بِذُنُوبِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى فِيهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ .
وَمَدَارُ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَمْرِ بِتِلْكَ الْمَحَبَّةِ وَلَوَازِمِهَا ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمَحَبَّةِ الْأُخْرَى وَلَوَازِمِهَا ، وَضَرَبَ الْأَمْثَالَ وَالْمَقَايِيسَ لِلنَّوْعَيْنِ ، وَذَكَرَ قَصَصَ النَّوْعَيْنِ ، وَتَفْصِيلَ أَعْمَالِ النَّوْعَيْنِ وَأَوْلِيَائِهِمْ وَمَعْبُودَ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِهِ بِالنَّوْعَيْنِ ، وَعَنْ حَالِ النَّوْعَيْنِ فِي الدُّورِ الثَّلَاثَةِ : دَارِ الدُّنْيَا ، وَدَارِ الْبَرْزَخِ ، وَدَارِ الْقَرَارِ ، وَالْقُرْآنُ جَاءَ فِي شَأْنِ النَّوْعَيْنِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28749وَأَصْلُ دَعْوَةِ جَمِيعِ الرُّسُلِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ ، إِنَّمَا هِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، الْمُتَضَمِّنَةُ لِكَمَالِ حُبِّهِ ، وَكَمَالِ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ لَهُ ، وَالْإِجْلَالِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَلَوَازِمِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949540وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ .
وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=949541يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ [ ص: 200 ] لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ : لَا يَا عُمَرُ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ، قَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي ، قَالَ : الْآنَ يَا عُمَرُ .
فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ مَحَبَّةِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، فَمَا الظَّنُّ بِمَحَبَّةِ مُرْسِلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَوُجُوبِ تَقْدِيمِهَا عَلَى مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُ ؟ .
nindex.php?page=treesubj&link=28683وَمَحَبَّةُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ تَخْتَصُّ عَنْ مَحَبَّةِ غَيْرِهِ فِي قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا وَإِفْرَادِهِ سُبْحَانَهُ بِهَا : فَإِنَّ الْوَاجِبَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَى الْعَبْدِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ ، بَلْ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَنَفْسِهِ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ ، فَيَكُونُ إِلَهُهُ الْحَقُّ وَمَعْبُودُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ، وَالشَّيْءُ قَدْ يُحَبُّ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، وَقَدْ يُحَبُّ بِغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ يُحَبُّ لِذَاتِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَا تَصْلُحُ الْأُلُوهِيَّةُ إِلَّا لَهُ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [ سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ : 22 ] .
وَالتَّأَلُّهُ : هُوَ الْمَحَبَّةُ وَالطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ .